لا يزال الاقتصاديون لا يعرفون ما الذي يؤدي إلى الركود.. اقتصاد يزدهر لسنوات، ثم فجأة، دون سابق إنذار، يسقط في حفرة.. البطالة ترتفع إلى حد ما، ثم بعد ذلك، عاجلًا أم آجلًا، يُستأنَف النمو. وقد شهد كل اقتصاد على هذا الكوكب هذه الحالات المؤلمة والغامضة من الركود الاقتصادي التي يبدو أنه لا مفر منها. بين الأكاديميين، تعتبر النظرية الأكثر شعبية هي الصدمة الكبرى، والتي تأتي على عدة أشكال. وفقًا لهذه النظرية، يمكنك أن تصل إلى الركود عندما تعصف بالاقتصاد بعض الأشياء الكبيرة مثل أزمة النفط، وهو ما يؤدي إلى رد فعل مماثل. يفترض الاقتصاديون المحافظون أن الأفراد والشركات ستتفاعل بالسبل الممكنة بأفضل صورة وبشكل أكثر عقلانية، على نحو يخلق استجابة اقتصادية مثلى، لذلك يجب على الحكومة ألا تتدخل.. ويتخذ آخرون رأيًا أقل تطرفًا يشير إلى أن الحكومات والبنوك المركزية، التي تعمل بحِكمة، يمكن أن تتدخل لمساعدة الاقتصاد على التعافي. وعدد قليل من الاقتصاديين يفضلون بدلًا من ذلك ما يمكن أن نسمّيه نظرية التضخيم.. فهم يشيرون إلى أن التفاعلات بين مختلف أجزاء الاقتصاد قد تجعل من الممكن للصدمات حتى الصغيرة منها أن تكون لها عواقب وخيمة، وهو وضع يشبه إلى حد كبير الشرارة التي تشتعل في غابة جافة، والتي تستطيع أن توقع حريقًا هائلًا. فالانكماش الصغير لشركة صناعة سيارات قد يضر مورديها، الأمر الذي يقوّض قدرة هؤلاء الموردين على تزويد صناع السيارات الآخرين، ويخلق سلسلة متزايدة من الألم والإجهاد. السبب ليس هو الصدمة، بقدر ما يتعلق بالروابط التي تعمل على تضخيمها. وبالنسبة لمعظم الاقتصاديين، هذا هو نهاية النقاش: الركود إما هو نتيجة الصدمات الكبيرة، أو هو نتيجة الصدمات الصغيرة التي تتعرض للتضخيم. إنهم يتجاهلون الاحتمال الثالث: وهو أن الاقتصاد قد يصاب بتشوه خطير بلا صدمة على الإطلاق. هذا الإغفال يعتبر غريبًا، لأن هذه الطريقة في التفكير كانت شائعة جدًا في الاقتصاد منذ نحو 50 عامًا. لحسن الحظ، تقوم مجموعة من الاقتصاديين وعلماء الفيزياء بإحياء الفكرة القديمة «لا يوجد صدمات». ومن المثير للاهتمام، أنهم يبدأون مع نموذج رياضي للاقتصاد بناه منظرو الصدمة الكبرى - على وجه التحديد، ما يُسمى نموذج دورة العمل الحقيقي، الذي لا يزال يحظى بالكثير من الاهتمام من الاقتصاديين.. مثل العديد من النماذج الاقتصادية السائدة، فهو يفترض أن الأفراد والشركات يتخذون قرارات عقلانية مثلى تقود الاقتصاد إلى توازن اقتصادي مستقر. البحث الجديد إذن يجري بعض التعديلات على هذه الصورة: إنه يفترض أن الأفراد، بدلًا من أن يكون لديهم تبصر يتسم بالكمال عند توقع الأسعار المستقبلية، يرتكبون أحيانًا بعض الأخطاء الصغيرة. والنتيجة تعتبر مختلفة جذريًا.. تفاعلات الشركات والأفراد تخلق الآن اضطرابًا مستمرًا مع ركود متفرق ناجم عن نقص طبيعي في التنسيق، دون أية صدمات على الإطلاق. ويواصل الباحثون في إظهار أنه إذا قمت بإجراء نموذج أكثر واقعية على طول أي عدد من الأبعاد – تستغرق الشركات القليل من الوقت لتضبط إنتاجها على مستويات جديدة، على سبيل المثال، بدلًا من القيام بذلك على الفور – سوف تحصل دائمًا في نهاية المطاف على اقتصاد غير مستقر بطبيعته.. الاستنتاج هو إلى حد كبير على العكس مما يرمي إليه في الأصل المبدعون أصحاب نظرية دورة الأعمال الحقيقية.. انهم يريدون الدفاع عن فكرة أن الأسواق تعمل على أكمل وجه، وليس تقبُّل إمكانية أن الركود قد يعكس عدم قدرة الأسواق على تنسيق العرض والطلب.. في الواقع، نموذجهم المذكور يدمر هذا الأمل. إنها نتيجة مسلية وتنطوي على مفارقة، وتشتمل على تعقيدات تتجاوز حالات الركود.. لسنوات، كان كثير من الاقتصاديين يجادلون بأن افتراضاتهم التي تتصور وجود العقلانية التامة، والمصلحة الذاتية، والتوازن، هي مجرد عناصر مريحة في التجارب الفكرية القيمة؛ فهم يستطيعون معرفة أشياء عن العالم الخارجي على الرغم من الافتراضات الخاطئة بصورة واضحة.. هذا الموقف لا يمكن الدفاع عنه الآن على الإطلاق.. والوضع على ما يبدو هو أن أصحاب نظرية الصدمة الكبرى يشعرون بالقلق لأن تخفيف افتراضاتهم سيؤدي إلى نتائج مختلفة تمامًا وغير مريحة نهائيًا. ليس معنى هذا أن نقول إننا نعلم على وجه اليقين ما هي الأمور التي تؤدي إلى حالات الركود الكبيرة. الصدمات الكبيرة، والصدمات الصغيرة، وعدم الاستقرار الكامن في الاقتصاد، ربما تلعب جميعًا دورًا في هذا المجال.. لكننا نحتاج إلى بعض الجهود العلمية الصادقة من أجل أن نتوصّل إلى تفسير لهذه الظاهرة بشكل واضح.