كان سؤاله لشيخه تلقائياً، ما هو رأيك في فتوى الشيخ فلان والتي تختلف عن فتواك، فكان الرد صادماً .. فلان لا يهمك!! ساقه هذا الرد الحاد إلى علاقة والده الرائعة مع عمه، لكن بعد الخلاف.. أصبح الأب يقول لأولاده: عمكم فلان لا يهمكم. يخيل لك أن البعض لا يعرفون من لوحة الألوان المزدحمة إلا الأبيض والأسود، أنت معي تماماً أو ضدي تماما!! عندها يكون الفجور في الخصومة مبرراً والرغبة في الإسقاط مشروعة والتحريض واجباً، ويغيب عن المشهد «تعالوا إلى كلمة سواء». والكل يردد أنا الحق والحق أنا!! ليس من جنسيتنا لا يهمك، ليس من قبيلتنا لا يهمك، ليس من مدينتنا لا يهمك، ليس من حزبنا لا يهمك، ليس من تيارنا لا يهمك، لا يشجع نادينا لا يهمك، ليس نسخة طبق الأصل منا لا يهمك!! الاختلاف سنة ربانية ينتج عنها كل هذا الإبداع البشري والتنوع الإنساني في الأفكار والرؤى والمنتجات والتوجهات والمشاريع. كلما تقدمت الأمم والشعوب قلت أمراض العنصرية والتعصب وتضخم الذات وهوس التصنيف وأصبح المجتمع يؤمن بنحن أكثر من إيمانه بأنا. معذرة يا صديقي فلست مركز العالم حتى لا أختلف معك وسوف أبقى أحبك. معذرة شيخي فلست معصوما عن الخطأ حتى لا استدرك عليك رغم علمك. معذرة استاذي فلن أكون كما تريد أنت بل كما أريد أنا رغم فضلك. معذرة أيها المسؤول فلست فوق النقد رغم جهدك. معذرة نفسي فلن أقيم الناس بناء على ألوان جوازاتهم بل على أفعالهم. كان مجتمع النبوة الملهم يحوي سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وأبو بكر من المهاجرين وسعد بن عبادة من الأنصار هذا التنوع خلق نسيجاً خلاقاً ومشروع حضارة عالمية، تطير بجناحي التقوى والانتاجية. جنون التصنيف يجعل المجتمع الواحد يتحول إلى جزر معزولة وتكتلات بشرية منغلقة، محتقنة، متنافرة، تزكي نفسها وتكره الآخر، تنصرف للجدل على حساب العمل. يصدح الخطيب بالدعاء بالهلاك على جميع الأديان والملل والمخالفين، وليته دعاء بهدايتهم فهم محل دعوة وميدان حوار، فرغم أن عمر -رضي الله عنه- قبل إسلامه خرج ليقتل رسول الله عليه الصلاة والسلام كان نبي الرحمة يدعو له بأن يُعز الإسلام بعمر، وها هو يدفن إلى جواره. أخذ المسلمون الأوائل المنجنيق من الروم والدواوين من الفرس وأوصى النبي عليه الصلاة والسلام زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بتعلم اللغة العبرية وكان عليه الصلاة والسلام يثني على كل عادة جميلة وقيمة رائعة أتت من أي مكان ومن أي قوم في العالم ويتمنى لأصحابها الدخول في الإسلام حتى تكتمل لديهم منظومة الحياة والسعادة والأخلاق وسلامة المعتقد. اليابان بنهضتها ألهمت جيرانها كوريا وماليزيا وسنغافورا والصين لاستلهام التجربة، كان بل قيس في بداياته يتعاون بشكل متواضع في مجال البرمجيات مع شركة آبل وكان يتعلم قبل أن ينطلق ويستفيد من التجربة حيث أسس امبراطورية مايكروسوفت العملاقة. كان الشافعي تلميذاً لمالك، وابن القيم تلميذا لابن تيمية، لكنهما عرفا رقي الاختلاف وجمال الاستقلال وفضل الاجتهاد. هذه الحدود الوهمية والسجون الافتراضية تجعلنا غير قادرين على التفاعل والانطلاق وربما الإبداع والانتاج وأحيانا الانتفاع والاستفادة، وهذا يجعلنا في سجن كبير دخلناه بأقدامنا. الكثير من الأفكار التي تبرمجنا عليها بحكم العادة أو البيئة وتصطدم مع نصوص شرعية أو حقوق إنسانية أو يقع بسببها ظلم أو جور أو ضرر لسنا بحاجة لها، بل على العكس فهي وبال علينا وعلى أهلنا وعلى أوطاننا وأمتنا لأنها هي من يحكمنا الآن ويُسيُرنا ولسنا نحن من يحكُمها، فالإنسان مرهون بقناعاته ومعتقداته. يا صديقي، العالم أمامك متنوع لأجلك، ثري لأجلك، واسع لأجلك، متباين لأجلك، مختلف لأجلك فلا تأسر نفسك بوهم الكبر وسراب الفوقية، وتعامل مع عالمك بتفاعل بلا ذوبان وخصوصية بلا انغلاق وفكر ألف مرة قبل أن تقول عن أي شيء أو شخص لا يهمك.