قطر، التي دعمت الثورات في ليبيا وسوريا ودعمت الحكومة الإسلامية في مصر، تقوم الآن بالتوسّط بين إسرائيل وحماس لإنهاء الصراع في غزة. دورها ربما يُشير إلى تحوّل في السياسة الخارجية في الوقت الذي يحاول فيه الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني التعامل مع الجدل حول استضافة بلاده لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. إن السعي للتوصل إلى اتفاق في غزة، حيث قُتل أكثر من 1,900 فلسطيني و67 اسرائيلياً، يعمل على إعادة قطر إلى دورها المحايد تاريخياً في الصراعات من دارفور إلى لبنان. وزير الخارجية خالد بن محمد العطية انضم هذا الشهر إلى تركيا لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مفاوضاته لوقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الفلسطينية حماس، التي تحكم قطاع غزة، واسرائيل. وقال أندرياس كريج، وهو مُحاضر في كلية كينجز لندن في قطر: إنه مع تلك الهُدنة التي تم تمديدها يوم أمس، تستخدم قطر علاقاتها مع حماس لتكون وسيطاً حاسماً في المحادثات بشأن اتفاق طويل المدى. وقال كريج في رسالة بالبريد الإلكتروني: «إن حماس قامت بتأسيس علاقة حميمة مع قطر. ولا تزال قطر هي القناة غير الرسمية للاتصال بين قيادة حماس والولاياتالمتحدة وإسرائيل». لقد استخدمت قطر، وهي أغنى بلد في العالم من حيث حصة الفرد، الثروة من ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم لشراء حصص في باركليز، وفولكس واجن وشراء متجر هارودز في لندن. ووساطتها الحالية تأتي مع بدء البلاد بفورة إنفاق محلي تبلغ 200 مليار دولار على الطرق، والملاعب، وشبكة السكة الحديدية، ومدينة جديدة. كما قامت قبل عامين بالإعلان عن خطط لإنفاق 400 مليون دولار على مشاريع في غزة. واللجنة التي شكلتها الفيفا، الهيئة المنظمة لكرة القدم، تبحث في مزاعم الفساد في اختيار قطر لاستضافة أكبر حدث رياضي يتم مشاهدته في العالم، كما تخضع البلاد للتدقيق بسبب معاملتها للعمال المهاجرين، الذين سيقومون ببناء البنية التحتية لبطولة كرة القدم. وفي عهد الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، قامت قطر بدعم العديد من الثورات التي اندلعت في العالم العربي في عام 2011، من خلال إرسال طائرات حربية لمحاربة قوات الزعيم الليبي الراحل، معمر قذافي، ودعم المعارضة السورية في معركتها ضد الرئيس بشار الأسد. وتلك الجهود، التي استمرت في عهد الشيخ تميم بعد أن تولى الحُكم من والده في عام 2013، أثارت ردود فعل معاكسة. وفي العام الماضي تم حرق علم البلاد من قِبل المتظاهرين في بنغازي، ليبيا، وقامت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة بسحب سفرائها احتجاجاً على دعم قطر لمحمد مرسي، رئيس مصر السابق التابع لجماعة الإخوان المسلمين، ثم تدهورت العلاقة مع مصر بعد قيام الجيش بعزل مرسي العام الماضي. وقال كريج: «إنه مع غياب مصر، وحزب الله وإيران يواجهان صعوبة بتقديم الدعم، فإن قطر هي الراعي الوحيد الذي يمكن أن نثق به. وحماس «ليست في وضع يسمح لها باختيار حماتها أو الرعاة». وقال وزير الخارجية القطري، العطية، في مقالة افتتاحية تم نشرها على موقع CNN الإلكتروني في العاشر من آب (أغسطس): إنه في حرب غزة الحالية، تحاول قطر «تسهيل الاتصال بين الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة وجيراننا العرب وإسرائيل وحماس، مع جهود الأطراف المختلفة لإيجاد حل سلمي لأعمال العنف في غزة». جيم كرين، وهو زميل في قسم أبحاث الطاقة ومنطقة الخليج في معهد بيكر التابع لجامعة رايس، قال في رسالة بالبريد الإلكتروني في الخامس من آب (أغسطس): «إن قطر استغلت الفراغ السياسي في صناعة السلام في الشرق الأوسط لتأخذ دوراً مهماً تشتد الحاجة إليه. وهناك الكثير من الأشخاص الذين يطالبون الأطراف بوقف القتال، لكن القليل منهم على استعداد للتوسّط». وقامت قطر ببناء علاقات مع بلدان وجماعات غالباً ما يكونون أعداء لدودين، من خلال استضافة أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع إيران. وممثلو طالبان في أفغانستان موجودون في قطر، الأمر الذي ساعد البلاد على ترتيب إطلاق سراح الرقيب بويي بيرجدال من الجيش الأمريكي مقابل خمسة من سجناء طالبان في الحادي والثلاثين من أيار (مايو). لقد نمت علاقات قطر مع حماس في العامين الماضيين، حيث قامت بتوفير مقر إقامة لمشعل بعد إخراجه من سوريا في عام 2012 وسط تصاعد العنف، ثم قام الشيخ حمد، الأمير في ذلك الحين، بزيارة غزة في عام 2012، ليصبح أول رئيس دولة يفعل ذلك منذ سيطرة حماس بالقوة على القطاع عام 2007. وكذلك قامت قطر باستضافة لقاء بين زعيم حماس، خالد مشعل، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في الدوحة في الحادي والعشرين من تموز (يوليو) لمناقشة حلول للأزمة، وتحدّث كيري مع وزير الخارجية القطري في عدة مناسبات، شاكراً إياه ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوجلو على «حجم العمل الهائل» في تحقيق وقف إطلاق النار المؤقت. السفير ديفيد ماك، النائب السابق لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وحالياً باحث في معهد الشرق الأوسط القائم في واشنطن، قال في رسالة عبر البريد الإلكتروني في السادس من آب (أغسطس): «على الرغم من أن قطر حصلت على الكثير من الانتقادات علناً من اسرائيل، أعتقد أن ذلك قد عزز من قيمتها بالنسبة لإدارة أوباما، نظراً لحاجته لقنوات اتصال مع حماس». وكانت قطر واحدة من الدول العربية القليلة التي تحافظ على علاقات تجارية ودبلوماسية مع إسرائيل. والأمير السابق الشيخ حمد التقى نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الحين، شمعون بيريز، في الدوحة عام 2007 ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني بعد ذلك بعام. كما استضافت قطر مكتباً تجارياً لاسرائيل حتى حرب غزة عام 2009، عندما قامت قطر بطرد البعثة. وقال وزير الخارجية القطري، العطية، في مقالته الافتتاحية: «نحن نشعر بأننا على الجانب الصحيح من التاريخ. والتاريخ هو من سيحكم على أفعالنا».