لست سياسيا أو باحثا في القضايا الدّولية. لست خبيرا في شؤون الشرق والغرب. لست خبيرا في القضايا الاستعمارية. لست مؤرخا أو محللا. لست كارها للسلام، أو محبّا للحروب. لست عنصريا، ولا متحيزا، ولا ظالما، ولا قاهرا لأحد. لست مؤيدا أو مناصرا للفتن والإرهاب، للحروب والأحقاد. من أنا؟! إنسان عربي مسلم، مسالم، عايش كل ذلك المزيج، أحمل مشاعر إنسانية، كارها للظلم بشتى صنوفه. كارها للفساد بشتى أنواعه. أتساءل عن حقيقة المستقبل العربي وأجياله. أتساءل: لماذا وصل العرب إلى هذه الدرجة ؟! لماذا لم تنتشلهم كنوزهم من القيم والمعارف؟! لماذا يعيشون مرحلة المواقف المتناقضة؟! أستعرض كل شيء، أطرح السؤال عن أي شيء، لكن لا أستطيع تصديق أي شيء عن المستقبل. أعرف أن التاريخ يعيد نفسه، مقولة صائبة في أهدافها. لدى العرب بلاغة تقول: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. عند العرب كنوز من الحكم والأمثال، من النصوص والأمثلة، ما يجعلهم يتربعون على عرش الكلمات العالمية المجيدة. كنوز لم تعد تحمل العربي في حلّه وترحاله، مصابون بداء التعامي، يتحالفون مع عدوهم لمصالح آنية، ضيقة. ملامح لمصالح عرفناها من أيام العصر الجاهلي. عرفناها مع رحلة امرئ القيس لطلب معونة الأعداء على أهله. هكذا قالوا لنا. عرفناها من اختفاء قادة الفتوحات الإسلامية في أكوام سخط الحكّام الذين استأثروا ببطولاتهم وتضحياتهم، ضمّوها إلى قائمة مجدهم الذي يدعون. هكذا قالوا لنا. لم نعرف سوى عبدالرحمن الدّاخل، لم نعرف رفاق دربه في التاريخ الذي وصلنا. عرفنا طارق بن زياد ولا نعرف نهايته. عرفنا بطل السند الذي كان ضحية بطولاته، هكذا قالوا لنا. كأنهم يعلموننا الغدر ومشاربه، بطولاته وشخوصه، لتقبله كفلسفة . جعلوا تاريخنا العربي الإسلامي ملطخا بالمتناقضات والفتن، بالغدر والقتل والدمار، ثم ألصقوها بالعرب. هكذا فهمت من كتب تشويه سمعة العرب. عرفت التناقضات عبر دراستي. سمعت وقرأت الحروب بين وسائل الإعلام العربية. في الذاكرة مشاهد حروب الجراح العربية، خمسة عقود من عمري تحكي واقع الحال. تناقضات واختلاف مواقف وحروب. أين الصّح؟! من الصّح؟! ننتظر التاريخ، فيسجل أن الجميع كان على خطأ. وجدت نفسي مع جيلي نعيش تداعيات تأسيس إسرائيل. قالوا عصابات الحرب العالمية الثانية يعرفها الغرب. حاربت بجانبهم بجرم مشهود، فكانت المكافأة دولة إسرائيل. اغتصاب حق عربي. المصيبة أن بيرقها بلون أبيض يحمل خطين أزرقين. يقولون عنه ما بين النهرين، من النيل إلى الفرات. مساحة تقضم من العرب مفاصله وأطرافه وقلبه النّابض. توالت المصائب حتى وصلت إلى قناعة، بناء على واقع الحاضر، وحقائق سني عمري، أنه كان يمكن القضاء على هذه العصابات بشكل نهائي في حينه. لكن لماذا لم يتحقق هذا الاعتقاد؟! نفسها القصة التي أراها اليوم، عندما تحولت العراق إلى ساحة فتن، وتحولت سوريا إلى ساحات فتن، وتحولت ليبيا إلى ساحات فتن. هي نفس الأسباب والعوامل، لم يتغير شيء، عجز حتى في الرؤية، وتفسير أبعاد الأحداث، وتأثيرها على مستقبل الأمة العربية. البيرق الصهيوني يحمل السؤال ويحمل الجواب. من يدعي غير ذلك فله مسارات لم تعد تهمني، كشخص، يقف على أحد نواصي الشارع الشعبي العربي، يتفرج على أفواج المغادرين والقادمين. أرى الألوان على حقيقتها. أراها بدون مصالح شخصية. العلم الصهيوني يحمل كل الأجوبة منذ تأسيس هذا الكيان الخبيث. ما بين النهرين، المشروع الأعظم. الرهان على عامل الزمن، سلاحهم المستمر. الرهان على عامل الزمن، قوتهم الجبارة الخارقة للعادة. الرهان على عامل الزمن، وسيلة تفتيت كل العقبات التي تواجه الكيان الصهيوني وأعوانه ومخططاته. الرهان على عامل الزمن، الطريق الذي يتجاهله العرب، وضعوا الأمل الصهيوني في البيرق. وسم واضح لأجيالهم المتعاقبة. أرى إسرائيل العظمى في الهوس الديني الذي يجتاح مناطق وجماعات من العالم العربي. أراه في هوس الانفتاح الواسع على المجهول. أراه في وسائل الاعلام التي لا تتطور يوما بعد آخر. أراه في كل تصرفاتنا وحركاتنا الاجتهادية والارتجالية. أسمع عنها منذ عرفت نفسي، النتيجة هذه القسوة التي يعيشها الإنسان العربي، مكبلا بكل هموم الدنيا وغموضها. حتى السكن والغذاء، مشكلة الأمة من المحيط إلى الخليج. بيرق إسرائيل يحذر العرب، لكن للعرب أهدافا متناقضة ومصالح متضاربة، فكيف ينجحون؟! كيف يتجاوزون التحديات؟! كيف يتغلبون على أعدائهم؟! وصل الأمر بالبعض من الدول إلى الاستعانة بالآخرين. تلك حقيقة يؤكدها التاريخ والأحداث. هناك أمم أخرى بجانبنا تسعى لالتهام باقي المساحة العربية، ينتظرون تحقيق إسرائيل الكبرى، يسعون لمساعدتها بقتل العرب وتشتيت شملهم. ماذا يقول التّاريخ؟! العثمانيون استخدموا كل الصنوف لإضعاف العرب إلى مرحلة الانحطاط التي نعيش. بيننا اليوم من يراهم المنقذ على حساب أوطانه وأهله. حتى الإسلام أساء له العثمانيون ، بفعل نواياهم التوسعية باسمه. اليوم تعود نغمة الحنين لدى البعض العربي إلى ذلك الجور المخيف. كيف يهرب العرب من الأعداء إلى الأعداء؟! هكذا أعتقد بعد كل هذا العمر. وصلنا إلى مراحل: القاعدة، داعش، النصرة، الإخوان، حزب الله، الدعوة، حماس، وهناك مسميات لم تتوقف عبر التاريخ العربي. كل قطيع ينتج قطيعا آخر باسم الإسلام. الكل يسعى لإضعاف العرب. الخلافة التي يروجون لها ويتنافسون. من أجلها يقتلون. باسمها يتحدثون. بآمالها يجيشون الشباب العربي لقتل بعضهم البعض. قرون عديدة والعرب مغيبون، محكومون، مُحتلّون باسم هذه الخلافة وأطماعها. الإسلام رسالة العرب العظيمة، استغلته جميع الأطراف للإساءة ولنحرهم ظهيرة. حفظ الله أوطاننا واسلامنا من كل سوء..