دخلت إلى مجلس النساء متقدمة تعلو وجهها ابتسامة جميلة، بدأت باليمين كما تعلمت من الأحاديث التي درستها خلال أعوامها الاثني عشر. وفجأة ودون سابق إنذار علا صوت والدتها (يا بنت عيب سلمي على الكبار أولاً) وأخرى علا صوت ضحكتها في مجلس، فجاءها الرد سريعاً (بنت شوارع أنت على هالضحكة ما خبرنا البنات إلا قصيرات ألسن)، وثالثة تمسكها والدتها على لبسها حين خروجها لتأمرها بتغييره قائلة (لو احنا عند غرب سوي اللي تبينه، روحي غيري لا يأكلون وجهنا ولا احد يفكر ياخذك لولده)،. وهلم جرا ولست هنا بصدد الحديث عن السلام واللبس والضحك والصوت العالي والأمور الأخرى التي حرص الوالدان عليها بتطبيق العرف والخوف من المجتمع والناس الذين يقطنون هذا المجتمع، والذين إن ذهبت ترضيهم بأي حال كان (والله الذي لا إله إلا هو لن ترضيهم أبداً). إنما أنا بصدد الحديث عن الشرع وليس العرف والمجتمع، ما المانع من أن يُربى أبناؤنا على الشرع ويتعلموا الشرع، وهكذا تقودهم التربية البسيطة السهلة إلى بناء الوازع الذاتي الذي يحكم فكرهم لا أبدانهم، لماذا لا يكون توجيهنا لهم شرعاً لماذا لا تكون تربيتنا لهم شرعاً طفلة بلغت التاسعة من عمرها تصلي خوفا من أن تضرب، سألتها ومن يضربك قالت: أمي تقول إن الدين يقول إن لم أصلِّ بالعاشرة سأُضرب، لا أعلم هل اضحك أم أبكي، فتاة في عمر لا تدرك فيه عظم الإسلام وقوته وبساطته وسهولته أول ما زرع فيها (الضرب على الصلاة إن لم تؤدَّ) أين نحن من أن الصلاة عمود الدين، الصلاة تنهى عن كل خبيث، الصلاة راحة، الصلاة عبادة وقربى لله وتميز على جميع الأديان، هل ذهب كل هذا ليكون التهديد والوعيد على ذلك؟ ماذا سيحصل لهذه الفتاه؟ سأقول لكم: ستكبر هذه الفتاة وإما أنها ستؤدي الصلاة نقراً، أو انها ستقف لأمها بكامل قوتها وترفض تأديتها، كما رأيت أمامي فتاة تحلف بالله أنها بسبب التوجيه في الصغر مازالت حتى الآن لا تصلي، وهي ذات أبناء وليست بنادمة على تصرفها، بل حاقدة على أسلوب التعامل والتوجيه. وحين أقول هذا الكلام اقوله من واقع رأيته بنفسي بين الفتية والفتيات، وليسوا فقط من ذوي السن الصغير، بل قد تكون الأعمار ناهزت الثلاثين، وما زالت بهذا الفكر نتيجة ترسبات الطفولة وأساليب التوجيه، والتي كان للمجتمع والخوف منه وتطبيق العرف أقوى والله من كونه شرعا، ترى الفتى يصلي وهو ليس على طهارة، وحين تسأله لمَ تفعل ذلك؟ يقول (عشان يسكت هالأبو عني شوي) فاجتمع الكذب والتهاون بالصلاة والبدء بعقوق الوالدين من خلال التهكم عليهم عند الصحب والرفاق، وتجد الفتاة تمر على أخواتها ووالدتها تسمع لتقول: (يا بنات الله الله باللبس الطويل والكلام الزين عشان يقولون انكم متربيات وإذا رجعنا البيت تعرفون شتسوون)، وكأن الفتاة ترسل لوالدتها رسالة، بأن ما يحدث خارجاً وتريدينه لماذا لا يكون داخلاً أيضاً، أين الشرع حين تلام الفتاة على لبس القصير خارجاً خوفاً من كلام الناس والمجتمع، ويسمح لها بلبس اللبس القصير جداً في المنزل أمام أخواتها غير عابئة بعورتها ولا بأحكام الستر. وقيسوا على ذلك كثيرا من الأمور والتي بعدنا فيها عن الشرع والسنة، وقرُبنا فيها من الخوف من المجتمع والعرف وعاداته وتقاليده حتى لو كانت خاطئة. ما المانع من أن نربي بالشرع ونغرس الرقاق في صدورهم وفي عاداتهم، ما المانع في اللين بالكلام معهم واستخدام العقاب النبوي في تأديبهم، ما الذي يمنع؟ ونحن هو الجيل الذي يربي، ونحن هو الجيل الذي تعلم وحمل الشهادات العليا وقرأ وفهم وأدرك كل شيء، وليس الجيل الذي سبق ولم يكن له حظ من العلم الوفير والغزير، والذين كانت تربيتهم تقوم على العادات المتوارثة. الكلام في هذا يطول، والأمثلة في هذا متعددة وكثيرة، وأنا على يقين أن الكل يحمل بداخله كثيرا من هذه الأمور التي رآها إما بين أهله أو أبنائه أو صحبه أو في سفره او في أي مجال، ولكن هل سأل أحدكم نفسه (هل لو تربوا على شرع مدرك ومفهوم، وزُرع بداخلهم بقوة وحب وفُسر لهم بكل بساطة ووجهوا إليه بكل حرص، ألن يكون هناك فرق) والله من خلال تجربتي مع من هم بقربي كان هناك فرق وفرق كبير؛ لأن قناعاتهم أدركت أن الأمر شرعاً لا عرفا ولا تقليداً ولا مجتمعاً،. فأعطوهم شرعاً وأبعدوا عنهم العرف والتقليد والخوف من المجتمع وكلامه، تسلموا وتسلم ذريتكم التي أكرمكم الله بها وحرم غيركم منها. تغريده أعجبتني الحبُ في شَرعِ القبيلةِ لم يكن،. يوماً حلالاً بل رأوهُ حراما الحبُ يا يسرى طريقٌ متعبٌ،، والشرع قبل العرف كان إماما