لقد قررت أن لا أكتب عن العيد وفرحته فكيف لي أن أكتب عن الفرح وإخوان لنا في فلسطين يتعرضون للقتل والإبادة الجماعية والعالم بما فيه العالم العربي يقف موقف المتفرج على همجية الصهاينة وعدوانيتهم الوحشية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، لكن الوضع يختلف هذه المرة عما سبقه فالإعلام اليوم ينقل صوراً حية ومباشرة عبر وسائل الاعلام الجديد تبين للعالم اجمع بما فيهم اليهود المخدوعون ان طغمة الصهاينة الحاكمة تجاوزت كل الحدود وبكل المقاييس. لقد اوغل المجرمون في القتل والتدمير بما في ذلك قصفهم الوحشي لمدرسة الاونرا التابعة للأمم المتحدة والتي التجأ اليها العديد من الاهالي لحمايتهم من قصف آخر، فكان ان قُتل كل من كان في المدرسة في جريمة يندى لها الجبين وفي وضح النهار وفي تَحَدٍ سافرٍ للعالم أجمع، ولن تجرؤ الاممالمتحدة أو أي دولة أو أي جهة مسئولة أن تقدم المجرمين الذين كانوا وراء هذه المجزرة إلى محكمة الجنايات الدولية. ان الوحشية التي نقلها الاعلام للعالم جعلت الغرب المتعاطف مع الصهاينة يُعيد حساباته بل جعلت البعض يصرح بأن دولة بني صهيون قد تعدت مرحلة الانتقام ووصلت إلى مرحلة التطهير العرقي إلى درجة أن كنيسة جوسفورد الإنجليكية في استراليا قد وضعت إعلانا دعماً لغزة على لوحة إعلانية كبيرة أمام الكنيسة تقول «يا يهود إن التوراة تقول العين بالعين وليس القرية بالعين». صديقي الطبيب الاستشاري د. سعيد بن محمد الغامدي من مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة أرسل لي قصيدة عصماء جادت بها قريحته تأثراً بمنظر طفلة فلسطينية ينزف وجهها دماً وهي تقف تنظرُ نظرةً شامِخة أمام اثنين من جنود الصهاينة وهما مدججان بالسلاح وهي غير مكترثة بهما وأنقل لكم بعضاً من أبياتها: لا تنظروا إني سئمت من النظرْ لن تُقهروا فأنا سئمت من القهرْ لا لن تروا دمعي فإن دموعنا جفت علينا وقت طغيان البشرْ لا تحزنوا يوم انسكاب دمائنا فدماؤنا سالت كما سال المطرْ هذي المقادير التي قد ساقها ربُ البرية ضمن آيات القدرْ لا تَذرفوا دمع النساء فإنه كَسبُ الرهان لمن تغول او فجرْ وامضوا سراعا في الحماس فإنكم أُسد النقاش وقائل ماذا الخبرْ لا بأس ان تصفوا بأن عدونا حمل وديع حين يُنهى يزدجرْ وامضوا سراعا للسلام بحِلمكم فالحِلم أولى من حياة بالكدرْ لا تُتعبوا قلبا لديكم عاشقا وامضوا هياما صوب دقات الوترْ وتنافسوا حول الموائد واملؤوا تلك البطون النافرات من البطرْ ودعوا الثكالى والنساء فإنهم قُدت لهم تلك القلوب من الحجرْ سنقاوم المحتل ان صمودنا دك الأعادي رغم تخذيل البشرْ هذا الرباطُ على البلاد مقامنا والنصر آت رغم موجات القهرْ أما أفضل ما سمعت بعد الغزو الصهيوني لغزة فهو ما قاله إمام وخطيب أحد المساجد: «نسمع ونرى ما يجري لإخواننا في فلسطين ونحن لا نملك لهم إلا الدعاء، وعجزنا هذا قد يجعل اليأس والقنوط يتسرب إلى بعض النفوس لكن ليعلم المسلم أن مقادير الله جارية على عباده، فالمسلمون أيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعرضوا لحصار شديد من الكفار يوم الخندق ونزلت فيهم الآية الكريمة (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب).. والمسلم الحق يجب ان يؤمن بقضاء الله وقدره كون الإنسان لا يعلم أين يكون الخير، وخصوصاً في وقت الفتن، والله يقول في محكم كتابه (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، كما ان الاجدى والافضل للمسلم في هذه الاوقات العصيبة التي تمر بها الامة ان يتفكر فيما كان عليه الرسول الكريم من ضعف في بداية دعوته، لكنه -صلى الله عليه وسلم- لم ييأس ولم يقنط، وكان دوماً يحسن الظن بالله، فها هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يقول: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا، فقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما). اما قصة لحاق سراقة بن مالك الجشعمي بالركب الكريم وهم مهاجرين إلى المدينةالمنورة فهي قصة عجيبة ومعجزة من معجزات الرسول -صلى الله عليه وسلم- توضح وتبين أشد البيان للمسلمين في كل زمان ومكان ما ينبغي أن يكونوا عليه من عدم اليأس وحسن ظن بالله عز وجل وأن النصر آت لا محالة، فكيف يقول الرسول الكريم لسراقة بن مالك وهو يطلبهم طمعاً في جائزة قريش بعد أن منعه الله عز وجل عنهم: «كيف بك يا سراقة إذا تسورت بسواري كسرى؟» فقال سراقة متعجبا كسرى بن هرمز؟ قال نعم، فقلت يا رسول اكتب لي كتابا آمن بأنك إذا أظهرك اللّه وملكت رقاب الناس وجئتك أن تكرمني، فأمر عامر بن فهيرة أن يكتب لي العهد، فأبى سراقة إلا أن يكون الكاتب أبا بكر، فأمره، فكتب له رقعة من أديم ما أراد من العهد، أمانا له عند ظهور أمره. وعندما جاءت غنائم المسلمين بعد هزيمة الفرس قدم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سواري كسرى لسراقة بن مالك إيفاء وتحقيقاً لعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أفبعد هذا نيأس ونقنط من رحمة الله؟