بعد مرور اربعين عاما على تقسيم جزيرة قبرص ما زال التلامذة القبارصة اليونانيون والاتراك الذين لم يعايشوا الحرب، يتعلمون رواية تتصل بتوارث الالام والاحزان اكثر من التاريخ ما من شأنه ان يرسخ الخلاف بين المجموعتين. في 20 يوليو 1974 نزلت طلائع القوات التركية في مدينة كيرينيا شمال قبرص من اجل حماية الاقلية القبرصية التركية كما اعلن رسميا بعد محاولة انقلاب تهدف الى ضم الجزيرة المتوسطية الى اليونان. الانقلاب لم ينجح. لكن في الاسابيع الاولى التي تلت ذلك اجتاحت تركيا القسم الشمالي للجزيرة واستولت على 37% من الاراضي. وخلف النزاع بحسب السلطات القبرصية اليونانية ثلاثة الاف قتيل و1400 مفقود وعشرات الاف الجرحى. ومنذ ذلك الحين تتجابه ذاكرتان جماعيتان في كتب التاريخ. في الجانب اليوناني 1974 هو عام الاجتياح، في المقابل الجانب التركي يرى ان 1974 يسجل عملية سلام قامت بها تركيا لحماية مجموعتها. واوضح طاهر غوكتشيبل رئيس نقابة المعلمين الثانويين في "جمهورية شمال قبرص التركية" ان "هناك عملية سلام من جهة واجتياح من جهة اخرى، ما يشكل اتجاهين مختلفين تماما وذلك ينعكس في برامج التاريخ في هذا الجانب وذاك". واضاف مدرس التاريخ "ان المجموعتين اللتين عاشتا نحو خمسمئة او ستمئة سنة معا ربطت بينهما زيجات وتقاسما البازارات والحياة اليومية نفسها. لكن لا شيء من كل ذلك مكتوب في الكتب"، معبرا عن اسفه للغياب التام لاي تطابق في برامج التعليم. واشار الى اختلاف اخر اساسي. فبالنسبة للقبارصة الاتراك بدأ النزاع في 1958 (اول اعمال عنف بين المجموعتين) او في 1963 (اعمال عنف اخرى ونحو 500 قبرصي تركي مفقود)، اما بالنسبة للقبارصة اليونانيين بدأ كل شيء في 1974 مع ذكر النذر القليل عن اول صدامات بين المجموعتين. اما العواقب فجاءت وخيمة. وقال المدرس "انظروا الى مجموعة ايلام (القبرصية اليونانية القومية المتشددة) كيف يمكن لهؤلاء الشبان كره اناس لم يعرفونهم ابدا؟ هنا رهان التربية، لانه ان علمناهم ان الاخر هو العدو فهم سيكرهون بعضهم البعض". ويسهب كيرياكوس باشوليدس رئيس جمعية الحوار والبحث التاريخي واستاذ التاريخ في الاتجاه نفسه. ويقول "ان الاجيال الجديدة ترعرعت مع رؤى اتنية احادية وهم بالتأكيد لا يمكنهم تجنب الاراء النمطية المسبقة عن الاخر، العدو ،الهمجي". وفي كتابه التاريخ يتذكر بتروس (21 عاما) جيدا صور مدن فماغوستا وبيلابايس او كيرينيا في "الاراضي المحتلة" بشمال الجزيرة مع عبارة "لا تنسى ابدا". ويروي وهو جالس مع عدد من اصدقائه في احد مقاهي نيقوسيا "كيف اكتشف شيئا فشيئا انه يوجد طريقة اخرى لوصف الماضي. وحوله ديزيريه وهي قبرصية تركية في السادسة عشرة من عمرها وآندي في السابعة عشرة وقبرصية يونانية اخرى عبرن عن رأي متقارب ونظرن بمرارة الى ما تعلمن في المدارس". وتتذكر آندي التي اضطر والدها للهرب من الشمال في 1974 "كانوا يتحدثون الينا عن مآثر ابطالنا" وفي "كتب التاريخ ليس هناك سوى رأي الكاتب بدون اي مصدر اخر". على سبيل المثال "لم يتحدثوا الينا مطلقا عن نزاعات بين المجموعتين. ويعلموننا القومية اليونانية". واستطردت ديزيريه التي درست في الجانب التركي قبل ان تختار الذهاب الى مدرسة دولية في المنطقة الجنوبية لنيقوسيا "نحن، علمونا القومية التركية.. اليونانيون فعلوا هذا وذاك والاتراك كانوا الضحايا، القبارصة الاتراك كانوا الضحايا والاتراك جاءوا لانقاذهم". ومن خلال المشاركة في انشطة ثنائية بين المجموعتين وقراءة الكتب و"بفضل الانترنت والعولمة" اكتشفوا كما قالت اندي "ان الآخرين عانوا ايضا". وهي معاناة استخدمت في الغالب بطريقة احادية الجانب. واوضح موظف في وزارة التربية فضل عدم كشف اسمه ان الاساتذة القبارصة اليونانيين نصحوا باستقدام عائلات ولاجئين للإدلاء بشهاداتهم. وهو ما يرمز الى تاريخ "متوارث" لا يسمح باي اعادة نظر. لكن الحل موجود على ما قالت ديزيريه ضاحكة وهو "الدمج بين الكتب".