"منذ بداية العام، سمعنا أن البرازيل ليست في وضع يسمح لها باستضافة كأس العالم أو يضمن الأمن وحالة البنية الأساسية. وما رأيناه هو أن البرازيل أنشأت الاستادات والبنية الأساسية والسياسة الأمنية الفيدرالية".. هكذا جاء رد ديلما روسيف على المنتقدين الذين علا صوتهم على مدار الشهور الماضية مؤكدين قلقهم من تنظيم باهت وربما فاشل لمونديال 2014. وقبل شهر واحد فقط كانت هذه الأصوات لا تزال تعلو بالانتقادات والتحذيرات من إمكانية تحول المونديال من "نعمة" إلى "نقمة" على أرض كرة القدم وعلى بلد راقصي السامبا. وساهم في ارتفاع هذه الأصوات سلسلة الاحتجاجات والإضرابات التي حاصرت المنظمين قبل البطولة لاسيما وأن هذه الاحتجاجات والمظاهرات اجتاحت الشوارع في معظم المدن البرازيلية خلال استضافة هذا البلد لكأس القارات 2013 وكادت تتسبب في فشل البطولة. وتضاعفت حالة القلق من الجميع قبل أيام من انطلاق فعاليات المونديال البرازيلي بسبب استمرار وتزايد موجة الاحتجاجات وكذلك الإضرابات التي وصلت إلى إضراب العاملين والموظفين في مترو ساو باولو والذي تسبب في شلل مروري تام بهذه المدينة الكبيرة التي يزيد تعدادها على 11 مليون نسمة. ورغم تعليق العاملين والموظفين في مترو ساو باولو لإضرابهم قبل بداية فعاليات المونديال مباشرة، كان الفتور والأجواء غير المشجعة هو شعار الأيام الأولى للمونديال لدرجة صرح معها البعض بأنهم لا يشعرون بوجود المونديال في البرازيل أرض كرة القدم. وقال رفيق صايفي نجم وقائد المنتخب الجزائري سابقا، في الأسبوع الأول للمونديال إن الأجواء لا تتناسب مع أهمية وحجم البطولة بل إنها تقل كثيرا عما كانت عليه الأجواء حتى في مونديال 2010 بجنوب أفريقيا التي استضافت أول بطولة لكأس العالم في القارة السمراء. رغم هذا، أعرب صايفي وقتها عن ثقته في أن الأجواء ستتغير بمرور الوقت ودخول البطولة في المراحل الحاسمة بالدور الأول وكذلك في الأدوار الفاصلة بالمونديال. وكان صايفي وغيره مثل نجم كرة القدم المصري المعتزل محمد أبو تريكة على صواب حيث تغير الحال تماما بمرور الوقت وساهمت النتائج والمفاجآت العديدة التي شهدها الدور الأول في اشتعال أجواء المنافسة والتشجيع قبل الجولة الثالثة من مباريات هذا الدور. والحقيقة أن عروض المنتخب البرازيلي ونتائجه في الدور الأول لم تكن مشجعة لجماهيره على الشعور بالمونديال حيث أفلت الفريق من الكمين الكرواتي في المباراة الافتتاحية للبطولة بفوز 3/1 ثم تعادل سلبيا مع المنتخب المكسيكي في المباراة الثانية قبل أن يحقق فوزا منطقيا على نظيره الكاميروني. ورغم عبور الفريق إلى الدور الثاني بعد تصدره المجموعة بفارق الأهداف أمام المكسيك، كانت سمة المشجعين البرازيليين في الدور الثاني هي القلق أيضا حيث كانت المواجهة مع منتخب تشيلي العنيد الذي أكد لاعبوه سعيهم أيضا للفوز باللقب والذي قدم عروضا قوية في الدور الأول استكمالا لمسيرته الناجحة في التصفيات. وكان قلق المشجعين في محله حيث عبر الفريق البرازيلي هذه المواجهة بركلات الترجيح فقط بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من الخروج. ولم يكن القلق مقصورا على مشجعي المنتخب البرازيلي فحسب وإنما على مشجعي معظم المنتخبات الكبيرة وربما كان السبب في هذا هو المفاجآت العديدة التي شهدها الدور الأول. ولكن النتائج النهائية لدور الستة عشر بددت كثيرا حالة القلق ليحل مكانها الشعور بالإثارة وبأن كأس العالم بدأت للتو من خلال مباريات دور الثمانية لاسيما وأن جميع المنتخبات التي تأهلت لهذا الدور كانت المنتخبات التي تصدرت مجموعات الدور الأول ما يعني أن المنافسة عادت لنصابها الطبيعي بعيدا عن مزيد من المفاجآت. وجاءت مباريات دور الثمانية لتفجر موجة هائلة من الإثارة وأجواء الاحتفالات اللائقة بكأس العالم، وليس أدل على هذا من الاحتفالات التي اجتاحت المدن البرازيلية بعد تغلب المنتخب البرازيلي على نظيره الكولومبي عابرا عقبة أخرى هائلة نحو تحقيق الحلم الكبير وهو إحراز لقبه العالمي السادس. ولكن هذه الإثارة والاحتفالات، والتي تزايدت لدى المنتخبات الأخرى المتأهلة للمربع الذهبي، أخذت اتجاها آخر بالنسبة للمنتخب البرازيلي ومشجعيه حيث أفسدت إصابة اللاعب نيمار دا سيلفا مهاجم الفريق احتفالات السامبا. ولم تكد جماهير البرازيل تفيق من أثر صدمة إصابة نيمار حتى كانت الكارثة التي ستظل محفورة في أذهان الجميع بالسقوط المدوي للفريق في مواجهة الماكينات الألمانية حيث خسر راقصو السامبا 1/7 في المربع الذهبي لتتحول أجواء البرازيل إلى نغمة حزينة لم يكن يتوقعها حتى أكثر المتشائمين. ومن رحم هذه الأحزان، جاءت موجة إثارة جديدة حيث أصبح على جماهير البرازيل أن تفاضل بين خيارين كليهما صعب ومر في النهائي فهي إما أن تشجع المنتخب الأرجنتيني المنافس اللدود لمنتخبها أو أن تقف بجوار المانشافت الذي ألحق بفريقها أقسى هزيمة في تاريخ مشاركاته بالمونديال. لكن الإثارة والسخونة وأحزان السامبا لم تتوقف عند هذا الحد وإنما جاءت الهزيمة الثقيلة صفر/3 أمام الطاحونة الهولندية في مباراة تحديد المركز الثالث لتضاعف أحزان السامبا من ناحية وتؤكد من ناحية أخرى مدى قوة المونديال الحالي وتضاعف من أجواء الإثارة مع إسدال الستار على هذا المونديال الذي قد يصبح الأكثر إثارة في التاريخ رغم بدايته الفاترة.