قد يسأل القاريء: هل توجد ثانوية في الأحساء بهذا الاسم، في الحقيقة, الجواب لا.. لكن في الماضي غير البعيد كانت العلاقة بين الطالب والمعلم ومديري المدارس أقرب منها علاقة زمالة أكثر من كونها علاقة رسمية. كان المدير في ذلك الوقت يعرف الطالب ويعرف أسرته ويتحدث معه كأنه ابن له. المدرسة الثانوية التي أتكلم عنها هي مدرسة الهفوف الثانوية التي تخرجت فيها عام 1974م. وهي مدرسة تقع بالقرب من حي المزروعية الحديث في ذلك الوقت، لكن كنا نسميها ثانوية بو علي نسبة لمديرها الأستاذ القدير حمد بوعلي. فعندما انضممت إلى صفوفها في ذلك الوقت كانت هي الثانوية الوحيدة في الأحساء وكانت تشمل أيضا معهد إعداد المعلمين قبل أن يتم نقلهم إلى منشأة تعليمية خاصة بهم. وكان يأتي إليها الطلاب من مدن الهفوف والمبرز والعيون وبقية قرى الأحساء، وقد تخرج في هذه الثانوية الكثير ممن تقلدوا مناصب عليا وقدموا خدمات جليلة لهذا الوطن. وفي أول أيام دراستي بها كان مديرها الأستاذ الجليل علي العبدالقادر الذي غادرها لإكمال دراسته في الخارج بعد فترة وجيزة من انضمامي للمدرسة عام 1972م. بعد ذلك أصبح مدير مدرستنا الأستاذ الفاضل حمد بو علي ونائبه ومراقب المدرسة من أسرة العرفج. ومع مرور الوقت تحول الأستاذ الفاضل حمد بو علي إلى مرب وأب وأخ وصديق لكل طالب، وكان يتعامل معنا بشكل راق، وقد كان يعرف والد كل طالب وأين يسكن الطالب ومن هم أصدقاؤه، وهذا ما كان يخيفنا كطلاب. إن أفضل وأمتع الأوقات الدراسية التي قضيتها في حياتي كانت أيام الدراسة في هذه الثانوية، فقد كانت هذه المدرسة بالنسبة لي من أفضل المؤسسات العلمية التي رأيتها في النشاط اللامنهجي. بل من الممكن أن أقارن أنشطتها ببعض الجامعات في وقتنا الحالي، ففي ثانوية الهفوف كانت هناك أنشطة رياضية وثقافية بصورة مستمرة, وحتى الكشافة كانت تعسكر أيام العطلة الأسبوعية فيها قبل إنشاء المعسكر الكشفي. وكانت الرحلات التثقيفية خاصة إلى منشآت أرامكو السعودية جزءا من النشاط اللامنهجي، وكان هناك نشاط في مجال الصحافة باللغتين العربية والإنجليزية والأكثر من ذلك أن هذه الثانوية تتبادل الآراء حول الحياة الاجتماعية والتعليمية مع بعض المدارس في أوروبا. فقد كان مدرسو اللغة الإنجليزية (جيمس باتريك والسيد خليل وأكبر شاة) قد اتفقوا مع نادي الصداقة الدولي الذي مركزه مدينة (توركو) في فنلندا كي يقوم بعض طلبة الثانوية بالتواصل مع طلاب ثانويات في دول غربية. وقد كانت المدرسة تنظم معرضا سنويا للأنشطة الطلابية الذي كنا نرى فيه مواهب الطلبة من رسوم فنية وتصاميم علمية بسيطة يتم عرضها على جميع فئات المجتمع، إضافة لنشاط المسرح الموجود في المدرسة. وقد كان معمل الكيمياء والفيزياء في نشاط مستمر يتواجد فيه الطلبة لإجراء الكثير من التجارب مع الأستاذ سهيل، ولا يتوقف النشاط المدرسي حتى أوقات الفسحة. حيث كانت تقام مباريات دوري سداسيات كرة القدم، إضافة لدوري السداسيات بين بعض المدارس، وما بين الشوطين تتم إذاعة بعض الأغاني التي كانت عن كرة القدم مثل أغنية هيام يونس ( جيب القول على الطاير ).. يا زين الدراسة أيام زمان.