سبق أن رسم الفنان القدير عبد السلام الهليل، كاريكاتيراً يصور ابناً يركض تجاه أباه، وبيده شهادة التخرج من الثانوية العامة، وهو يقول: «أبشرك يايبه تخرجت»، ويظهر الأب وقد أشاح بوجهه، وهو يقول: «الله لا يبشرك بخير»!! كما أن ذلك الرسم معبّر عن المعاناة التي يعاني منها كل بيت، عند تخرّج ابن، أو ابنة من الثانوية العامة، وهم ينشدون مقعداً في جامعة، أي جامعة!! وأي تخصص!! لا يهم، إلا أن يُشغل الأبناء، والبنات، لمدة أربع سنوات أخرى، حتى تبدأ معركة البحث عن وظيفة من جديد؟ ظاهرة أخرى مرتبطة بذات الموضوع، وهي أن أبناءنا يتخرجون من الثانوية، وهم لا يعرفون ماذا يريدون، وماذا يحبذون دراسته، وكل ذلك نابع من البيئة التي لا تهتم بالتخصصات، بقدر إهتمامها بتأجيل المشكلة، ناهيك عن الدور التخريبي الذي ينتج عن ذلك المرض المسمّى الواسطة، والمحسوبية، والتي تعطي من لا يستحق، حق من يستحق، ونتيجة لذلك، يصبح مايحبذه الطالب غير مهم، لأن المهم هو الحصول على مقعد، أي مقعد!! عندما كان أولادي في المرحلة الثانوية ذهبت إلى مدير المدرسة، وأعترف بأنها كانت مدرسة خاصة، وذكّرته بأن أولادنا لا يعرفون ماذا يريدون عندما يتخرّجون من المرحلة الثانوية، وأشرت إلى أنه من بين آباء الطلبة هناك المهندس، والطبيب، والمحاسب، والمصرفي، وأخصائي الكمبيوتر، والمدرس... إلخ، فلماذا لا تكلّف إدارة المدرسة على أولئك الآباء (ومثل ذلك بالنسبة للأمهات مع الأقسام النسائية) أن يلزموا أنفسهم بتقديم محاضرات عن تجاربهم في حياتهم العملية، للطلبة والطالبات، وهو ما سيساعد الطلبة والطالبات على تحديد مساراتهم، وخياراتهم المستقبلية، وبالفعل شرعت المدرسة في ذلك البرنامج، ولكن مع الأسف، أوقف البرنامج بعد محاضرتين فقط، بحجة أن المواد المطلوبة من الطلبة في منهجهم الدراسي الأساسي، لا تترك لهم وقتاً لمثل هذه الأنشطة اللامنهجية!! وخسر الطلبة فرصة الإستماع إلى محاضرات عملية، لا توفرها لهم بيئتهم التعليمية، والتي هي قائمة على التلقين، والحفظ، واجترار النصوص الجامدة!! معلومة ذات علاقة، أعلمها علم اليقين، وهي أن طالب الثانية ثانوي لدينا، يدرس (18) مادة، في حين أن زميله الطالب في سويسرا يدرس (6) مواد فقط، فهل طالبنا أفضل بثلاثة أضعاف؟! كلنا سعدنا ببرنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي، واحتفلنا بمناسبة تمديده، وهناك فوائد كثيرة لهذا البرنامج، تتعدى الفائدة الأكاديمية، ولكن في خضمّ تلك الإحتفالات، دعونا لا ننسى أن ذلك البرنامج سيستوعب مائتي ألف طالب، وطالبة فقط، وحتى هؤلاء ستكون عملية إستيعابهم في الإقتصاد المحلي تحدياً كبيراً، ولكن ماذا عن مئات الالاف من الطلبة في الجامعات السعودية!! ماذا نحن فاعلون تجاههم؟!!