لم يكن الفوز التاريخي الذي حققه المنتخب الألماني على نظيره البرازيلي بسباعية مرعبة في نصف نهائي المونديال؛ مفاجئًا رغم ضخامة النتيجة وعدم منطقيتها، ولم يأت من فراغ أبدًا، بل هو نتيجة يمكن أن نعتبرها منطقية لفكر ألماني دقيق ومنظم اعتاد على قهر المستحيلات، وإبهار العالم أجمع، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، اقتصاديًا وكرويًا وفكريًا وعلميًا، رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهته. الهزيمة المحفزة قصة الألمان مع قهر المستحيل بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945م، حيث كانت ألمانيا عبارة عن حطام دولة، بعد هزيمتها في الحرب، حيث أصيبت بدمار شامل في كل البنى التحتية والفوقية، وسُويت المنازل بالأرض، مدن كاملة سويت بالأرض كمدينة (كولونيا) على سبيل المثال، لا يوجد طعام، لا توجد موارد أساسية، باختصار، انهيار تام. وقد نتج عن ذلك انهيار تام في الروح المعنوية للشعب الألماني المهزوم، بعد سنوات من الانتصارات المذهلة، وبعد أعوام من الشعارات البراقة، أصبح الألمان وقد وجدوا بلدهم قد صار حطامًا ركامًا، وهناك ما يقرب من خمسة ملايين رجل من رجالهم في معتقلات الحلفاء، ولو نظرنا إلى الشعب الألماني يومئذٍ لوجدناه مؤلفًا من النساء والأطفال والشيوخ والعجائز فقط، فلقد مات من مات من الرجال، واعتقل من اعتقل. تحت الركام ولأن العقلية الألمانية لا تعرف المستحيل؛ بدأ الألمان العمل على نهضة بلادهم وكانت بداية قصة رائعة من العمل الجماعي الدؤوب، كتب فصولها الشيوخ والنساء والأطفال، وكل هذا بالجهود الذاتية للشعب وليس للحكومة، كان الناس كلما انتهوا من بناء مبنى كتبوا عليه العبارة التالية: (لا تنتظر حقك، افعل كل ما تستطيع). في بداية الخمسينيات قام الألمان ببناء الكثير من المصانع، واستوردوا الأيدي العاملة من الخارج، فجاء إلى ألمانيا ما يقرب من 5 ملايين عامل، ومعظمهم من تركيا، وكانوا يكتبون بداخل كل مصنع ما يسمى بقيم العمل: الجدية الانضباط الحرص على الوقت. وعندما جاء العام 1975م، كانت ألمانيا قد بُنيت من جديد، أي في ثلاثين عامًا فقط، بل وحازت على المركز الثالث على مستوى العالم في معدل التنمية، وعلى المركز الثاني في نسبة الصادرات. ولقد قادت المرأة الألمانية هذه المرحلة، فكان شعارهم في هذه الفترة: (لا تفقدوا الأمل، نحن شعب قوي، نحن أفضل شعوب الدنيا)، هكذا كان الألمان يحافظون على جذوة الأمل في نفوسهم، هكذا كانوا يحمِّسون أنفسهم للعمل والبناء، لقد كان المحرك الأساسي لهم في هذه الفترة إيمان شديد راسخ بأنهم أحسن شعب في الدنيا. ريادة اقتصادية اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين تمتلك ألمانيا أقوى اقتصاد في قارة أوروبا ورابع أكبر اقتصاد في العالم، وتلعب روح المبادرة والابتكار والتقنيات الحديثة دوراً كبيراً في المحافظة على قوة هذا الاقتصاد وتطويره بشكل دائم. وتتميز الشركات الألمانية بسمعة عالمية واسعة، وذلك نظراً لما تقدمه من منتجات وخدمات ذات جودة عالية جداً تحظى بثقة العملاء والمستهلكين في جميع أنحاء العالم. فمن المعروف عن ألمانيا شهرتها وريادتها في صناعة السيارات والآلات، وتواجد شركاتها في موقع ممتاز في مجالات الطب والتقنيات النانوية والليزر، يضاف إلى ذلك دعمها للبحوث العلمية وتوثيق العلاقة بين الصناعة والعلم. فألمانيا تعتبر محرك التكنولوجيا في أوروبا. كما تتمتع ألمانيا بنظام مصرفي قوي، وتمتلك بنية تحتية حديثة ومتطورة. وتشكل الشركات ذات الحجم المتوسط جوهر الاقتصاد الألماني، حيث يتصف العديد منها بالريادة في مجال عمله وتخصصه ويتميز بسمعة عالمية واسعة. تفوق كروي وعلى صعيد كرة القدم، تعتبر ألمانيا من القوى الكروية العظمى على مستوى العالم، وتتميز كرتها بالانضباط والتكتيك، حتى ان الألمان يُلقبون بالماكينات نظرًا لشدة تنظيمهم على أرض الملعب، ودقتهم المتناهية في تنفيذ خطط المدربين، فهم لا يتركون أي شيء للصدفة، كل شيء مخطط ومنظم ومدروس، بدءًا من الضربات الركنية والكرات الثابتة، وانتهاءً بركلات الترجيح. وقد أحرز المنتخب الألماني كأس العالم 3 مرات، ووصل إلى نصف نهائي المونديال 13 مرة من ضمنها 4 مرات متتالية (رقم قياسي)، كما وصل إلى المباراة النهائية 8 مرات (رقم قياسي). وفي بطولة أوروبا حقق الألمان اللقب 3 مرات، ووصلوا إلى النهائي 6 مرات (رقم قياسي). وعلى صعيد الأندية حقق الألمان 7 بطولات على مستوى بطولة دوري أبطال أوروبا، كان نصيب عملاق الألمان بايرن ميونخ 5 بطولات، ووصل إلى المباراة النهائية 10 مرات. بالإضافة إلى إحراز بطولات كأس القارات، وكأس الكؤوس، وغيرها من البطولات الأوروبية والعالمية على مستوى الأندية والمنتخب القومي.