كشفت تقارير منظمة الصحة العالمية عام 2013م أن هناك ستة ملايين مدخن في بلادنا، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى عشرة ملايين عام 2020م - على حدِّ قولهم - وأن المملكة تمثل المرتبة الرابعة عالميا بسبب استهلاك ما يزيد على اثني عشر بليون ريال كل عام من السجائر. ولقد أظهرت دراسة حديثة أن التدخين ينتشر في 40% من المجتمع الرجالي و10% من المجتمع النسائي و15% من مجتمع المراهقين. ومن هنا تندلع الخسائر الفادحة بدءا من أن المدخن يمارس عملا محرما بشكل يومي، يضخ السيئات في سجله، ويثقله، وفي الوقت نفسه يحرق جزءا من دخله ودخل أسرته ودخل بلاده بصفة مرفوضة شرعا وطبا وقبولا اجتماعيا. حتى أشار عدد من الدراسات الى أن الإنفاق في السعودية على التدخين تجاوز حوالي 45 مليون ريال يوميا. ولا شك في أن ذلك ليس إسرافا فقط، بل هو تبذير للمال في غير وجهه، بل في وجه يضر بصاحبه وأهله، ومجتمعه، يقول الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27)} [سورة الإسراء]. ويعرض المدخنون غيرهم لمضار التدخين بنسبة 31% في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (13-15)، من ربيع حياتهم من الجنسين، حيث يعيشون في بيت فيه مدخنون، و40% (من الجنسين) يتعرضون للتدخين القسري خارج المنزل. وفي اتجاه آخر .. ذكرت إحصائية سعودية حديثة أن عدد المصابين بالسرطان في المملكة نتيجة للتدخين قد تجاوز عشرة آلاف مريض، وأن 80% من المصابين بسرطان الرئة من المدخنين، و80% من المصابين بسرطان الحنجرة هم كذلك من المدخنين. وترى منظمة الصحة أنه بالإمكان الوقاية من نحو 40% من حالات السرطان، من خلال توفير بيئة صحية خالية من التدخين للأطفال، وأن يكون الشخص نشطا حركيا، ويأكل طعاما متوازنا صحيا يحتوي على سعرات حرارية منخفضة، ويتجنب السمنة بدءاً من مرحلة الطفولة مع تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس. وفي الطرف الآخر هناك من يبيع الموت، ويتاجر بالعافية، فلا شك في أن من يسوق الدُّخان على الناس إنما يأكل أموالهم بالباطل، ويشوب تجارته بمحرم، ويسعى في تدمير صحتهم وعافيتهم، ويخشى عليه من الوعيد في قول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): "لا يَدْخُلُ الجنةَ لحمٌ نبت من السُّحْتِ، وكلُّ لحمِ نبت من السُّحتِ؛ كانتِ النارُ أوْلَى به" صححه الألباني. لذلك فإن من الحماية لمقدرات الوطن والمقدرات الذاتية السعي في إقناع المحلات التجارية التي تقرب هذا المنتج التعيس المُتعس من أيدي مقتنيه ألا تبيعه، وبخاصة في الأحياء السكنية، وفي المجمعات الكبرى التي ترتادها الأسر، حتى لا تنغمس في حمأته أيدي الناشئة فيضرَّ بمستقبلهم كله. فالتدخين ليس تجرعا للسموم فقط، بل هو مقرب للصحبة غير المرغوب فيها غالبا، حيث يتوارى هؤلاء الشبيبة وراء الأنظار، ليمارسوا التدخين، وربما وقعوا في سلوكيات أخرى خاطئة؛ لبعدهم عن مصادر التوجيه والتربية والتقويم. إن التدخين ليس مضرا بالميزانية الخاصة بالفرد وحده، بل هي مضرة أيضا بالدخل العام للدولة. فالأموال التي تُحرق في التدخين يمكن أن تستثمر في تنمية البلاد، وما تنفقه الدولة على مرضى التدخين سنويا، يمكن أن ينفق على مرضى الكُلى والقلب والسكري وغيرها من الأسقام التي لا دخل للإنسان في حدوثها غالبا. كل ما يحتاجه من يبيع الموت أو من يشتريه، قرار حازم يعقبه تنفيذ فوري، سيكون أجمل هدية يقدمها لنفسه ولأهله ومن يحب.