الأم هي أغلى مافي الوجود، وهي عطر الحياة وزهرها الفواح، وبلسم الجراح، ولقد أوصى الإسلام بها، وأعطاها مكانة عالية ومنزلة، وهي مدرسة الحياة الأولى منذ خلق الله الخلق، ولا أحد ينكر فضلها العظيم ودورها في تنشئة الأجيال فهي مدرسة كما وصفها "حافظ إبراهيم"، وهي أول كلمة يلفظها اللسان تحمل عبق الحياة، ومعنى الوجود أنها الوطن الذي تسكن له النفس وترتاح، ولكن في ظل المتغيرات المتسارعة للحياة، وانشغال الأم، هل مازالت مكانة الأم في الوقت الراهن كما كان في السابق في التربية؟ وهل وسائل العصر المختلفة زادت نسبة العقوق لهم؟ الأمهات والخادمات يقول الأستاذ "صالح القحطاني" معلم لمادة اللغة الانجليزية، إن للأم دوراً كبيراً في الحياة فهي الحاضنة الأولى، وهي المعلمة، والمدرسة الكبرى للحياة، إن كلمة أمي لا تعدلها كلمة، ولا كل لغات الدنيا، مشيراً إلى أن الأم عليها دور كبير في هذه الحياة، ولكن هذا الدور لم يعد كما كان في السابق للأسف، لقد كاد أو يكاد أن ينتهي تماما، وتقلص دورها في تربية أبنائها بعد أن تركت شؤونهم للخادمات، ومن هنا كانت الخطيئة الأولى في التربية الأسرية، وهذا ما تؤكده لنا "أم عبدالله" حيث تقول أنها أم لثمانية أبناء وبنات، وأنها تلاحظ أن الأبناء لم يعودوا مطيعين كما في السابق، بل إن الكثير منهم يتمردون، ويعصون آباءهم، وأمهاتهم، ولعل للفضائيات والإعلام دور كبير في ذلك، وتضيف "مرام عسيري" في السياق ذاته، ليس هنالك في الوجود كلمة أحلى وأجمل وأغلى من أمي، فالأم هي التضحية، والعطاء المتدفق بأسارير الحياة العظيمة، وهي تعني لي الشيء الكثير، وهي سر وجودنا في هذه الحياة، فكيف يعق الأبناء أمهاتهم، وديننا الإسلامي الحنيف يحثنا ويوصينا بهم، وعلينا كأبناء أن نبر والدينا، وهنيئاً لمن عرف كيف بر بوالديه، وفي هذا الجانب، يقول "أحمد عسيري" في الحقيقة إن والدتي هي المدرسة الكبرى لي وإخوتي، ولقد قامت بدورها كاملاً إلا أنه كان للخادمة دوراً مساعداً لها، بالرغم من عدم عمل أمي، ولكن بسبب عدد العائلة الكبير لم تستطع أن تقوم بكل أعباء المنزل لوحدها، فكان للخادمة أيضا دور لا يمكن أن أنساه، ولا زلت أحمل لها كل ود، وهي لازالت رغم سفرها ترسل لنا، ونقوم أيضا بالاتصال بها في أكثر المناسبات، وهذا ليس من باب العقوق للوالدة، إنما من باب الاعتراف بالفضل لأهله، وقول كلمة شكراً لمن يستحقها. نظرة اجتماعية ومن الناحية النفسية والاجتماعية، يحدثنا الخبير الاجتماعي علي عبدالله الأسمري في المرحلة الحالية التي كثرت فيها مشاكل الأبناء والبنات مع أمهاتهم، وآبائهم، وتعددت وتشكلت أنواع العقوق، ولعل للحياة المدنية التي نعيشها بكافة أبعدها المختلفة، هي السبب الرئيس في ذلك، بما فيها من قيام الخادمة بأخذ الدور، والتربية من قبلها للأبناء، ولذلك يجب علينا إن نعمل على تشجيع، وجود لجان متخصصة تضم أخصائيين وأخصائيات اجتماعين، ونفسيين، لديهم خبرة ودراية لدراسة الوضع الاجتماعي، والنفسي، وتحليله بكل جوانبه، والعمل على حل هذه المشكلات، أن كانت ذا طبيعة مرضية، وطلب العلاج للعاق وليس العقوبة، وإن كانت غير ذلك قاموا بتوعية الأهل، والأسرة من خلال برنامج علاج أسري إجباري، وسريع، ومجدول، تقوم بالدور الحقيقي الذي يفترض بهم أن يقوموا به تجاه ابنهم على أن تكون كل هذه الجهود متزامنة مع عمل اللجنة الدينية التي تعمل على تطبيب الآلام، وتوضيح الحقوق الشرعية لكل الأطراف المختلفة، والهدف في النهاية هو تحسين نوعية العلاقات بين الأسرة الواحدة، وليس الهدف العقوبة فقط في حد ذاتها، بل الهدف عودة الابن إلى أهله، وتحسين الجو الأسري بصورة عامة عن طريق معالجة الأوضاع النفسية، والاجتماعية، حتى لا يكون الأبناء نتيجة لبعض الظروف فتجعلهم قنبلة موقوتة مستعدة للانفجار في أي لحظة، ليكون رد فعل الوالدين بعدها بلاغ، ثم حكم، وعقوبة، تزيد من تأجيج المشاعر وتباعد المسافات بين أفراد الأسرة الواحدة. مكانة الوالدين في الإسلام وحول هذا الموضوع، يؤكد الشيخ عبدالرزاق بن أحمد آل وابط العمري أن ديننا الحنيف أوصى بالآباء خيرًا، ونهى عن قطيعتهم، وإيذائهم أو إدخال الحزن عليهم، كيف لا، والإسلام دين الوفاء والبرِّ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين..."الحديث، فالعقوق محرم قطعًا مذموم شرعًا وعقلاً، فما معناها؟ يقول العلامة ابن حجر رحمه الله: هو أن يحصل لهما أو لأحدهما أذىً، ويكون هذا الإيذاء بفعل أو بقول أو إشارة، ومن مظاهره مخالفة أمر الوالدين أو أحدهما في غير معصية، أو ارتكاب ما نهيا عنه ما لم يكن طاعة، أو سبهما وضربها، ومنعهما ما يحتاجانه مع القدرة وغير ذلك، وقد اتفق أهل العلم على عدِّ العقوق كبيرة من الكبائر، يقول الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)، فانظر كيف نهى عن الإيذاء بالفعل أو بالقول حتى ولو كان كلمة "أفٍ" التي تدل على الضجر، إن العقوق الذي ظهر، وانتشر، وتعددت أشكاله وألوانه، ليدل على انحراف خطير في المجتمعات عن شريعة الله تعالى التي جعلت رضا الله في رضا الوالدين وسخطه سبحانه في سخطهما، وجعلت الجنة تحت أقدام الأمهات فلن يدخل الجنة عاقٌ لوالديه، كما إن العاق يعرض نفسه لدعاء والديه عليه، ودعاؤهما مستجاب فقد ورد في الحديث: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنَّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده"، ومن صور العقوق أن يتسبب الولد في سب ولعن أبويه أو أحدهما، ومن كان هذا حاله فإنه يعرض نفسه للعنة الله تعالى، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من لعن والده...".الحديث، كما إنه متوعد بعقوق أولاده له، فكل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات، يقول الأصمعي حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحي أطلب أعقَّ الناس، وأبرَّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلولا تطيقه الإبل في الهاجرة، والحرِّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء "أي حبل" ملوي يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي، فقلت: فلا جزاك الله خيرًا، قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وهكذا كان يصنع، فانظر كيف قيض الله لهذا الوالد العاق من أبنائه مَن يعقه! والجزاء من جنس العمل، ومن الصور أيضاً، منع الأبناء النفقة على الآباء رغم حاجة الآباء، وقدرة الأبناء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنت ومالك لأبيك" من هنا يتضح للمؤمن الفطن أن يبرهما، وأن يعمل على رضاهم.