منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبعد نهاية الحرب الباردة، شكّلت وول ستريت، ومثيلاتها من أسواق المال المنتشرة بغالبية عواصم العالم، مرحلة جديدة بالاقتصاد العالمي، حيث أصبح سوق المال هو المسيطر على سوق السلع والخدمات، وتحوّلت كل أدوات الاقتصاد الحقيقي، الصناعي والزراعي، وحتى الخدماتي إلى أوراق، ثم تحوّلت الأوراق إلى مجرد أرقام عابرة للقارات، وأصبحت مؤشرات البورصات العالمية الزائفة هي المقاييس المعتمدة للاقتصاد العالمي، وسيطرة نخبة من الشركات المالية على أسواق أهم السلع الزراعية والصناعية. هذه المرحلة الممتدة حتى الآن، أنتجت آثاراً اجتماعية عنيفة بكل بلاد العالم، فزاد الفقر أضعافاً، وأصبح الجوع القضية الأولى لغالبية بلاد العالم الثالث، وفقد ملايين العمال وظائفهم، وتضاعفت الأسعار دون مبرر حقيقي، فقد عمّق الاقتصاد المالي أزمة التضخّم الرأسمالي، وكنتيجة مباشرة للانفصال بين الاقتصاد الحقيقي الذي يقوم على إنتاج السلع والخدمات، وبين الاقتصاد المالي الذي يعكس رغبات المستثمرين الباحثين عن الربح السريع،المؤكد أن مرحلة سيطرة البورصات على الاقتصاد في طريقها للنهاية، وأن العالم سيشهد مرحلة جديدة تماماً بدأت بشائرها بالفعل، لن تسمح الجماهير الفقيرة ببقاء الحال كما هو عليه، أما حجم هذا التغيّر وتأثيره على حياة البشر، فهو أمر يستحيل توقعه، وآمل ألا يعتقد البعض أن ذلك الصراع بعيد عنا..ومع تفاقم الازمات العالمية، التي تحدث مع وفرة غير مسبوقة بالمنتجات، أصبح تناقض الجوع مع الوفرة سؤالاً بلا إجابة، لكن الملايين من الفقراء قرروا أن «وول ستريت» وأخواتها، مسئولة بشكل مباشر عن الحالة التعيسة لملايين البشر، وبدفعة معنوية هائلة من الربيع العربي، بدأت جموع من الجماهير بحركة تظاهر واسعة ضد أسواق المال، وحاول المئات احتلال وول ستريت، كونها تجسيداً للاستغلال والظلم، والحركة التي بدأت منذ شهور قليلة باليونان، وأسبانيا، امتدت سريعاً لغالبية بلاد أوروبا، وأمريكا التي شهدت تظاهرت عمّت أكثر من 120 مدينة، وتعد وول ستريت عنواناً رمزياً للحركة، بعد أن كانت عنواناً للاقتصاد المالي، ولا يمكن التنبؤ بمسار الحركة، أو ما سوف تصل إليه من نتائج، لكن المؤكد أن مرحلة سيطرة البورصات على الاقتصاد بطريقها للنهاية، وأن العالم سيشهد مرحلة جديدة تماماً بدأت بشائرها بالفعل، لن تسمح الجماهير الفقيرة ببقاء الحال كما هو عليه، أما حجم هذا التغيّر وتأثيره على حياة البشر، فهو أمر يستحيل توقعه، وآمل ألا يعتقد البعض أن ذلك الصراع بعيد عنا، فالاقتصاد السعودي جزء من الاقتصاد العالمي، وعلينا التعاطي بدقة وسرعة مع المتغيّرات العالمية، نحن بلد حباه الله بالثروة، لكنها ثروة غير دائمة، سلعة تخضع لتغيّر الأسعار بشكل مستمر، ورغم أن المملكة العربية السعودية بدأت منذ فترة طويلة بتشجيع الإنتاج الصناعي والزراعي، إلا أن النتائج المتحققة لا تتناسب مع التغيّرات السريعة، فأسواق المملكة تستقبل أطناناً من المنتجات المستوردة، وتطوير الاقتصاد لا يعني فقط أرباحاً مستقرة أكثر، بل الأهم هو نسب التشغيل العالية الضامنة للسلام الاجتماعي. [email protected]