على مدى أسبوع تقريبا والمملكة تغمرها موجة حزن تلفها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، القرى والأرياف البعيدة عن مراكز المحافظات والمدن يلفها الحزن، ويستبد بها الأسى، وتسكنها اللوعة، والحال هو الحال في المدن الكبيرة !!! الفقد المروع والرحيل المفاجئ لسلطان الخير أشعل الألم في كل قرية ومدينة على امتداد تراب هذا الوطن سهله وجبله، شواطئه ووديانه، وحزن الجميع لهذا الرحيل المفجع، ولهجت الألسن بالدعاء له بالمغفرة والرحمة، ممزوجاً بعبارات تعدد مواقف الكرم والمروءة والشيم التي ارتبطت بشخص هذا الراحل الكبير. لقد مثلت مشاعر الحزن وحالة الألم التي غمرت الوطن سحابة سوداء برزت بشكل تلقائي غير متكلف ترجم عمق العلاقة التي تربط بين المواطن وقيادته، وكانت الصور الحية التي بثها التلفزيون للمواطنين المفجوعين بوفاته من مختلف الشرائح رجالاً ونساء، شباباً وشيوخاً أبلغ في التصوير والتأثير من أي كلمة أو مقالة، ولم تدع لذي مقال مقالا ولا لمتحدث مجالاً للتعليق والتوضيح. يمتلك الجميع شعورٌ بأن سلطاناً لم يغب عن وطنه وشعبه، الذين حضروا إلى المطار والذين لم يحضروا (كما يعبر هو دائماً في خطاباته) والذين تسمروا أمام شاشات التلفزيون كانوا ينتظرون أن يطل عليهم سلطان بابتسامتهلقد كان مساء الوطن ليل الثلاثاء كئيباً يلفه السكون وهو يتابع لحظات وصول الجثمان الطاهر إلى أرض الوطن، ولم نكن بحاجة إلى نهار تتجلى فيه صورة أوضح للتعبير عن روح الأسرة الواحدة التي تربط بين مكونات الأمة ورموزها وقادتها وخصوصاً هذا الرمز الوطني الكبير، رجل المواقف، والسياسي المحنك. ثمة حقيقة أخرى عبر عنها هذا المأتم الجماهيري مفادها أن الفقيد الكبير استطاع أن يترك بصمات واضحة على كل المواقع التي شغلها ولذلك فإن تحسس هذه الآثار والشعور بضخامة العطاء يشكل رافداً للحزن في هذه المناسبة الأليمة ومسوغاً للوعة والمرارة. سلطان الخير هي أبلغ كلمة رثاء تصف فقيد الأمة الذي طبع الوطن بعطائه، لقد رسم الاخضرار في حقول الوطن يوم كان وزيراً للزراعة، كما كان الملهم لصناعة النقل في وطن متنوع التضاريس متعدد البيئات عندما كان على قمة هرم وزارة المواصلات آنذاك (النقل) فحقق ما كان يحلم به كل مواطن وهو يتنقل بين ربوع هذا الوطن. كما قاد أكبر برنامج إصلاح إداري في المملكة من خلال رئاسته للجنة العليا للإصلاح الإداري التي مثلت الإطار والمنهج العملي لبرامج الإصلاح والتطوير التي تشهدها قطاعات الدولة المختلفة. يمتلك الجميع شعورٌ بأن سلطاناً لم يغب عن وطنه وشعبه، الذين حضروا إلى المطار والذين لم يحضروا (كما يعبر هو دائماً في خطاباته) والذين تسمروا أمام شاشات التلفزيون كانوا ينتظرون أن يطل عليهم سلطان بابتسامته التي عرف بها وبيديه اللتين كان يلوح بهما في المحافل واللقاءات التي تجمعه بأبنائه ومحبيه، غاب سلطان جسداً وبقي نبضاً يضخ الحب في شرايين الوطن الذي بادله حباً بحب وولاء بولاء. رحم الله فقيد الأمة والوطن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وربط الله على قلوب أخوته وأبنائه ومحبيه بالصبر والسلوان، «وإنا لله وإنا إليه راجعون». رئيس عام المؤسسة العامة للخطوط الحديدية