ما حدث من تسرب للغازات من أحد مصانع الصناعية الأولى بالدمام، يضع كل الأحاديث عن السلامة في مهب الريح، مع تقديري الكامل للجهود الكبيرة لمديرية الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية. صحيح أن حالة الفزع التي سادت بين سكان الأحياء المجاورة للصناعية الأولى، والخوف من تسرب غازي الهيدروجين والنيتروجين السامين، مبالغ فيها، وسببت ارتباكاً كبيراً، لكن الأقوال عن تسرّب قرابة 11 ألف جالون من هذه الغازات في الأجواء، وأنها انتشرت على مساحة 5 كيلومترات حسب المتحدث الإعلامي في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، ما أدى لتأثر بعض الأحياء بشرق الدمام وهي حي عبد الله فؤاد، والناصرية ومدينة العمال، والصفا، وبترومين، وإسكان الدمام والحرس الوطني، وتعليق الدراسة فيها، إضافة إلى وقف الدراسة بجامعة الدمام نتيجة هذا التسرب، تزيد من التساؤل حول مدى جدية كل أنظمة الرقابة الصناعية لدينا، سواء في المصانع ذاتها، أو مناقشة استعدادات الدفاع المدني، قبل أن تقع كارثة ما لا قدّر الله. طلب الدفاع المدني، من بعض سكان الأحياء إخلاء منازلهم ليومين، جعل الأقاويل تنتشر، وتسبب الفزع بين الناس، وقد كنت أتمنى أن نتعامل بشفافية مع مثل هذه الأحداث، لنقضي أولاً على الشائعات في مهدها، ثم لنفكر بجدية في مراجعة كل انظمة السلامة في مصانعنا ومدننا الصناعية خاصة القريبة من الأحياء أو المتداخلة معها. قد يدعو البعض، لنقل المدن الصناعية خارج المدن، ومراعاة التخطيط المستقبلي بحيث يكون لفترة أطول، حتى لا نفاجأ بعد سنوات قليلة بأن الزحف العمراني قد تداخل مع المناطق الصناعية، كما في صناعية الدمام الأولى مثلاً والتي أصبحت أشبه بحي سكني مع اقتراب أحياء عديدة منها. ولعلّ ما أوصت به لجنة المواقع الخطرة التي أمر بتشكيلها سمو أمير المنطقة الشرقية، وشاركت فيها 7 جهات حكومية وخاصة، من إنشاء مدينة صناعية جديدة خارج النطاق العمراني تنقل إليها المدينة الصناعية الأولى بالدمام فور الانتهاء من تأهيل وتخطيط الموقع خلال مدة لا تتجاوز ه أعوام ، إضافة لتسليم مناطق الورش والمستودعات لشركات ومؤسسات أمنية بعد طرحها كمنافسة من قبل أمانة المنطقة الشرقية لمعالجة الوضع الأمني في هذه المناطق.. يعد استجابة فورية لدعوات نقل المدن الصناعية، خارج الأحياء السكنية. نأمل في أن تكون مهلة السنوات الخمس كافية للانتهاء من هذا الكابوس الذي يؤرقنا جميعاً.. وأن تكون معايير السلامة والأمن الصناعيين فوق كل اعتبار .. بقي أن أقول : شكراً لرجل المبادرات والإنسانية الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز .. فقد كانت متابعته منذ بداية الحدث رائعة من أجل احتوائه ، أتمنى أن يستفيد جميع المسئولين في المنطقة على اختلاف مواقعهم من هذا الحرص والمتابعة من أمير المنطقة الفذ.