بعد تزايد التغطية الإعلامية عن أزمة السكن واحتكار الأراضي وفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، سواء في الإعلام التقليدي أو الإعلام الجديد، بدأ بعض تجار الأراضي بالرد على ما تتداوله هذه الوسائل الإعلامية، والتبرير لما يقومون به من تركيز لاستثماراتهم في تجارة الأراضي البيضاء بدل الاستثمار فيما ينفع الاقتصاد والمجتمع، وأحد التبريرات الرئيسية التي رددها هؤلاء التجار كثيرا هو غياب أو نقص القنوات الاستثمارية البديلة، مما دفعهم قسرا للتوجه لتجارة الأراضي، هذا التبرير غير صحيح وغير مقبول من جهتين، الأول هو أنه حتى لو صح الادعاء بأن هناك نقصا في القنوات الاستثمارية فإن الأراضي البيضاء يجب أن لا تكون ابتداء وعاء استثماريا. وذلك لأنه استثمار غير منتج بل هو استثمار ضار على الاقتصاد وليس له أي منافع اقتصادية أو اجتماعية على الإطلاق. الأمر الآخر هو أن الواقع يثبت عدم صحة الادعاء بغياب أو نقص الفرص الاستثمارية. بل إن هناك حاجة ماسة ونقصا شديدا في كثير من المرافق والخدمات الحيوية التي يحتاجها المواطن والوطن، وبعضها استثمارات لا تحتاج خبرات أو تقنيات خاصة وعائدها شبه مضمون. فعلى سبيل المثال: يوجد نقص شديد في المدارس الأهلية، وغالبية المدارس لديها قوائم انتظار طويلة من الطلاب الراغبين في الدخول لها، مما دفع هذه المدارس لرفع الأسعار أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، فعوائد الاستثمار في المدارس الأهلية قد تزيد على 25% وقد تصل إلى 35%، نفس الأمر ينطبق على المستشفيات والمستوصفات، والفنادق والشقق المفروشة، فلا تكاد تجد شقة مفروشة في مواسم العطل وأسعارها ترتفع بشكل غير مسبوق، وهناك نقص شديد وارتفاع في أسعار الغرف الفندقية طوال أيام الأسبوع. الحقيقة هي أن ارتفاع عوائد تجارة الأراضي البيضاء التي لا تحتاج أي مجهود على الإطلاق هي التي جعلت المستثمر يصرف النظر عن أي استثمار آخر لذلك فإن ادعاء نقص القنوات الاستثمارية ادعاء يحتاج لدليل، بل ان الواقع يثبت بطلانه. والحقيقة هي أن ارتفاع عوائد تجارة الأراضي البيضاء التي لا تحتاج أي مجهود على الإطلاق هي التي جعلت المستثمر يصرف النظر عن أي استثمار آخر، وكلما ابتعدت السيولة عن الدخول بالاستثمارات النافعة واتجهت وتركزت في الأراضي ارتفعت أسعار الأراضي أكثر وقلت جاذبية أي استثمار آخر وكأننا ندور بحلقة مفرغة، كما أن ارتفاع أسعار الأراضي يتسبب في زيادة التكلفة في عديد من الاستثمارات، التي قد تكون مجدية في حال توافر الأراضي الرخيصة ولكنها مع الوضع الحالي للأراضي اصبحت غير مجدية وغير جاذبة للاستثمار. الحقيقة هي أن بعض تجار الأراضي أدمنوا على المال السهل، ولا يوجد أي حافز حقيقي لأن يدخلوا بمعمعة الاستثمار الحقيقي الذي سيتطلب الجهد والوقت، والحقيقة الأخرى أن تجارة الأراضي وارتفاع أسعارها هي السبب الرئيسي في توقف المستثمرين عن التوجه للاستثمارات النافعة، وهذا الارتفاع في أسعار الأراضي هو ما يعمل على تحويل البيئة الاستثمارية في المملكة لأرض جدباء، وكسر احتكار الأراضي ووضع الأنظمة التي تحول دون تحوِّل الأراضي البيضاء لوعاء استثماري هو السبيل الوحيد لإعادة الازدهار للقطاع الخاص المنتج وعندها فقط سنشاهد ربيع الاقتصاد السعودي. [email protected]