لو يتبارى الأحسائيون في الكتابة والحديث عن النخلة وتاريخها ومآثرها وقيمتها الاقتصادية والحضارية لما سبقهم أحد، ولكن الأمور الجادة والمصيرية لا تؤخذ بالكلام والكتابات الإنشائية، بل تحتاج لكثير من الصراحة والاعتراف وتفعيل المشاريع التنموية الوطنية، فقد ظللنا في الأحساء نتغنى شعراً ونثراً بالعيون المائية الجارية، وأفقنا بعد وقت وقد جفت تلك العيون ونضبت ولم نستطع أن نعمل شيئاً!. وها نحن نتأمل ونراقب بعين الحسرة مآلات الحالة الاقتصادية لمستقبل النخلة الأحسائية التي وإن ظلت تقاوم ملوحة الأرض، وعصف الرياح، وضمور الرؤية الإستراتيجية من أبنائها، إلا أنها لا تبشّر بمستقبل مشرق وذلك للعديد من الاعتبارات والظروف التي قست على حال الزراعة والمزارعين الأحسائيين، الذين يعرفون هذا الوقت وهو وقت صرام النخل فإنهم يعلمون بانخفاض القيمة المالية في استثمارات التمور والنخيل، كما انخفضت مستويات الجودة في التمور لدرجة صارت فيها نخيل الأحساء التي استنبتت في القصيم والخرج ودولة الإمارات العربية المتحدة أكثر جودة وأفضل تسويقاً، وهذا يعطينا مؤشراً واضحاً على أن النخلة الأحسائية غدت غريبة في دارها، وعزيزة في ديار الآخرين، وللتوضيح بالأمثلة فإن المزارعين الأحسائيين لا يزالون يتعاملون مع النخيل وجني التمور تعاملاً بدائياً، بل لو تأملت طرق التغليف والشحن فستجد أنها وضعت تلك التمور في كراتين خاصة بفاكهة الموز! وتلك الكراتين قد جمعت من الشوارع وأماكن الرمي، وقبل أكثر من شهر رأينا العديد من سيارات الشحن تجوب الشوارع لتجميع هذا النوع من الكراتين، بل كانت طريقة حصول السائقين على كرتون الموز نوعاً من المغامرة حتى تراهم يتجاوزون السيارات وينعطفون من أقصى اليمين لأقصى اليسار، ويقلقون حركة المرور لكي يتحصلوا على الكرتون المرمي بجانب الطريق. إنها دعوة خاصة لكل أصحاب الشأن في واحة الأحساء الحبيبة، وصيحة ونصيحة لئلا يتردّى الوضع الزراعي لأكثر من ذلك، إن المزارع في طريقها للتصحر، والنخيل في طريقها للهلاك، والمزارعون يتربصهم الكساد والفقر، وإذا لم توضع خطة استراتيجية وطنية لانتشال هذا المصدر الاقتصادي والحضاري مما هو فيه، فسوف نرى مزارع الأحساء وواحاتها قد تحوّلت لمخططات سكنية تُباع بالملايين! وسيكتب التاريخ في يوم من الأيام أنه كانت هنا أرض كالسواد لكثرة نخيلها ومياهها تسمى الأحساء. لقد صارت الكراتين ثقافة حاضرة في وعي المزارعينن وصارت لبعضهم نوعاً من التجارة عند تجميعها وبيعها على ملاك التمور ليستفيدوا منها في التخزين والشحن. إن تأمل هذه الحالة سيكون مقلقاً بشكل كبير لكل ذي ذوق عاقلن ولعله يتساءل: هل خلت مصانع الدنيا من الابتكار والإبداع لكراتين خاصة بأشكال جميلة توضع فيها هذه التمور؟ هل هذا نوع من التقشف أم البخل؟ أم أنه حالة حضارية لتنظيف الشوارع من البقايا التي تدمّر البيئة وتشوّه المناظر الجميلة؟ إن تجار التمور يشكون من انخفاض أسعار بيعها، وهذا أمر طبيعي لأنهم لم يحسنوا التسويق ولم يحسنوا التغليف، والتمور بوصفها سلعة من السلع فحالها كحال أي منتج آخر يحتاج لكثير من العناية والجودةن وكلما تعرض لمدخلات تسويقية ناجحة ونظيفة فسيعود بذلك على جودة المنتج ورواجه ومخرجات اقتصادية عالية. لا أريد أن أكون قاسياً على تلك الحالة من صناعة التمور البدائية، بل لعلي أكون رفيقاً بحالها، ولعلها لم تأخذ جانباً كبيراً من التعليم والمعرفة بأبجديات التسويق وطرائق العرض، ولكن اللائمة تلقى على كل جهة ومؤسسة لها تخصُّصها في الجوانب الزراعية في الكليات والغُرف التجارية وفروع وزارة الزراعة - وهي المعنية بالدرجة الأولى بتثقيف ودعم الثروة الزراعية - ودعونا نتساءل: لماذا لم يُبادر التجار ورؤوس الأموال بإقامة أسواق ومهرجانات خاصة بالتمور؟ لماذا لم تُقدِّم الجهات الوطنية مشاريعها في المبادرات والدورات وتثقيف المزارعين ودعمهم بميزانيات كبيرة تحوّل الاستثمار الزراعي من البدائية إلى أرقى أنواع الحداثة والتغيير الاقتصادي؟ هل الجهات المعنية بالزراعة لديها رؤيتها الخاصة في هذا الانحدار الاقتصادي للزراعة أم أنها لا تدرك ذلك؟ هل تُعفى مراكز النخيل والتمور في جامعة الفيصل من هذه المهمة الوطنية أم أنها قد اكتفت بإحصائيات عدد النخيل والفسائل، ونشر أخطار سوسة النخيل عبر كتيبات ونشرات توزع على استحياء؟ إنها دعوة خاصة لكل أصحاب الشأن في واحة الأحساء الحبيبة، وصيحة ونصيحة لئلا يتردّى الوضع الزراعي لأكثر من ذلك، إن المزارع في طريقها للتصحر، والنخيل في طريقها للهلاك، والمزارعون يتربّصهم الكساد والفقر، وإذا لم توضع خطة استراتيجية وطنية لانتشال هذا المصدر الاقتصادي والحضاري مما هو فيه، فسوف نرى مزارع الأحساء وواحاتها قد تحوّلت لمخططات سكنية تُباع بالملايين! وسيكتب التاريخ في يوم من الأيام أنه كانت هنا أرض كالسواد لكثرة نخيلها ومياهها، تسمى الأحساء. [email protected]