فيما الاحتجاجات تتصاعد في سوريا ضمن ما يُسمَّى «الربيع العربي» تخرج أصوات لتعلن أن «الوضع انتهى» في إشارة للسيطرة على الثورة هناك!. وبينما الضحايا لا يزالون يتساقطون، وللأسف برصاص الجيش والأمن.. نسمع من ينزع عن القتلى صفة المواطنة ويصفهم بالعصابات والمجرمين!! وكأن كل هذه الأبواق تعيش في كوكب آخر. سوريا الآن تنزلق إلى الوضع الأخطر في تاريخها، ولأن النظام يتعامى عمّا يحدث على الأرض، ويجد من يسوِّق له الأوهام والأكاذيب، نجد حركة الانشقاقات المتصاعدة في صفوف الجيش، تنذر بمواجهة عسكرية، بين أذرع النظام وقبضته الحديدية، وعناصر من الجيش أو الأمن، لم تستطع أن تستمر ضمن «شبّيحة» النظام، وفضّلت الانحياز إلى الشعب، مما يعني تحوُّلاً تدريجياً لاستخدام القوة والقوة المضادة لحسم الأمور. كان من الممكن لمنظري السلطة في دمشق، الانتباه لمطالب الشعب العادية، والتعامل معها دون استعلاء ودون استنكار أو تجاهل، لكن استمرار نفس العقلية الرافضة، أو بالأصح عدم تقبُّل أي رغبة شعبية في الإصلاح، أنهى المسألة ووضعها في محكّ الثورات العربية التي نجحت قبلاً في تونس وفي مصر، وبشكل أكبر في ليبيا. مشكلة بعض العقليات في النظام هناك، جعلت الجيش عزبة خاصة لحماية النظام، الذي اكتفى بترديد شعارات المقاومة، والجري وراءها، دون أن يطبّق ذلك على الأرض، ويحاول على الأقل تحرير ارضه المحتلة منذ أربعة عقود، واكتفى فقط بإلهاء ذلك الجيش في مغامرات أخرى في لبنان، أو بتبنّي تنظيمات مسلحة جوفاء هي الأخرى. لا طلقة واحدة لتحرير الجولان المحتلة على الأقل، ولا طلقة واحدة لاعتراض طائرات إسرائيلية حامت فوق القصر الجمهوري، ولا محاولة لاسترداد السيادة التي انتُهكت باغتيالات على ارضه، وإغماض عينين على طلعات جوية كانت تمرُّ فوق القوات السورية في لبنان، في انتهاكات اسرائيلية واضحة لسيادة هذا البلد.. وهكذا. فقط الجيش ينزل لقمع مواطنين عُزَّل، ودبابات تقصف قرى، كل جريمتها أنها طالبت بالثأر لقتلاها، والحصار لمدن أذنبت بقول لا، ولا سماع أبداً لأي صوت عاقل يدعو للحوار وعدم التورُّط في بحر الدم ضد الشعب الأعزل المغلوب على أمره.. فقط.. توزيع اتهامات العمالة والخيانة والسخرية من كل الدعوات للعقل وعدم التلوث بالدم. السلطة السورية الآن في مأزق، كذا الجيش، الذي أصبح مطالباً بحماية «العائلة» لا الشعب، وإطلاق الرصاص على المواطن لا العدو، وهكذا وضع لن يستمر، ستنقلب الآية يوماً، وسيجد الشرفاء من الجيش أنفسهم يتسرّبون، لمواجهة رفقاء سلاح يفترض أنه لحماية الناس، لا قتلهم!