أخذت الرواية حظها من الشيوع والانتشار في أرجاء الوطن العربي, وفي المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص بوصفها ستتربع على زمن جديد له سمات وخصائص تتناسب مع أساليبها وتقنياتها التي لم يكن للشعر منه تلك الحظوة في القرن الجديد, فما كان منه إلا أن توارى ليفسح مجاله للسيدة / الرواية لتفضح وتكشف وتخلخل المسكوتات, وهي بذلك تغري كل الكتاب بالولوج إلى عالمها, حتى لقد أطلق النقاد على هذا الزمن «زمن الرواية»! لم تكد الرواية تأخذ حظها ونصيبها من الاستحواذ الثقافي, والاستدرار للعاب الناشرين والمستثمرين حتى بدأت تتوارى بشكل سريع جداً, وهذا التواري أو الخفوت الملحوظ في مسارات المنتج الروائي كان سببه الرئيس تلك الثورة الرقمية الهائلة التي قادتها التكنولوجيا نحو الإعلام الجديد المتمثل في سهولة الممارسة للتواصل الاجتماعي والثقافي من خلال أجهزة الهاتف الذكية, والألواح الالكترونية, قد سرَّع في خفوت خطاب الهيمنة الروائية على الخطاب الثقافي, وجعلها في مكان الظل, ولم تكد أحلام الكتاب والنقاد والناشرين ومتابعي الروايات تشرئب لما ستقيمه الرواية في مستقبلها الفكري والتقني من ثورة, حتى جاء الإعلام الجديد بكل آلياته المبهرة والمدهشة والمتوافرة لدى كل الناس تقريباً خاصة فئات الأطفال والشباب، قد أوقف زحف الرواية تماماً إلا أن تقوم بمراجعة خطواتها واللحاق بركب الإعلام الجديد, إذ لابد لها أن تتشكل في آليات السيناريو والأفلام القصيرة وتتقولب في أشكال جديدة في عالم الصورة والدراما التي يتابعها الملايين من المشاهدين في كل لحظة. إن رموز الإعلام الجديد من خلال سنة واحدة قد أنست المجتمعات رموز الرواية والثقافة والتعليم التي كانت قد تأصلت من خلال سنين طويلة! لم يعد للرموز الروائية والثقافية والأكاديمية حضورها ذو البرج العاجي المتمثل في السيطرة على دور النشر وملاحق الصحف والجامعات والكليات, حتى إن قام بعضها بالمشاركة في آليات الإعلام الجديد إلا أن خطابها لايزال خطاباً لحفظ شهرتها ومكانتها التي لا تريد أن تغيب عن الساحة, لكن الخطاب الأقوى والأكثر جرأة والأكثر متابعة هو لرموز الإعلام الجديدالإعلام الجديد ليس خطراً على الرواية فقط, بل هو خطر على العديد من خطابات الثقافة والمعرفة كالتعليم والإعلام التقليدي، بل وحتى القنوات الفضائية تكاد تتأرجح أمام ضربات الإعلام الجديد, لذلك فهي تعرف مدى خطورة زحفه فقامت بالدخول في عالمه من خلال المواقع التواصلية والشعبية (تويتر فيس بوك يوتيوب.. الخ), بل صار الوصول للقنوات الفضائية متاحاً أسهل من ذي قبل من خلال أجهزة الهواتف الذكية وتقنيات الجيل الثالث والرابع في عالم الاتصالات, بما يفتح مجالاً كبيراً للحريات وللتلقي على مصراعيه سواءً كان سلبياً أم إيجابياً! يكمن الخطر في الإعلام الجديد أن الوصول والتواصل من خلاله سهل جداً, بمعنى أن أي إنسان على هذه الأرض سيكون له مكانه وإنتاجاته في هذا الإعلام, ولن ينتظر أحداً أن يعطيه تصريحاً أو موافقة, أو ينتظر أن يكون لديه رأس مال ليمارس دوره في الإعلام الجديد! ومن خطورة الإعلام الجديد أنه يكمن في واقعيته, وتحريضه لممارسيه بمزاولة الواقعية الحياتية ليس من منظورها الفلسفي أو الأدبي، بل من منظورها الإنساني الواعي بالأزمنة والأنظمة التي جعلته في الهامش لقرون طويلة, وها هو اليوم يكون في قلب الأحداث, بل وصانعا لها, وهو بهذه المشاركة يقوم بدفع عجلة الخطاب الشعبي لتكسر هيمنة الخطاب النخبوي أو خطابات السلطة. إن رموز الإعلام الجديد من خلال سنة واحدة قد أنست المجتمعات رموز الرواية والثقافة والتعليم التي كانت قد تأصلت من خلال سنين طويلة! لم يعد للرموز الروائية والثقافية والأكاديمية حضورها ذو البرج العاجي المتمثل في السيطرة على دور النشر وملاحق الصحف والجامعات والكليات, حتى إن قام بعضها بالمشاركة في آليات الإعلام الجديد، إلا أن خطابها لايزال خطاباً لحفظ شهرتها ومكانتها التي لا تريد أن تغيب عن الساحة, لكن الخطاب الأقوى والأكثر جرأة والأكثر متابعة هو لرموز الإعلام الجديد الذين يكتبون ويقولون ويمارسون ولم يعد للشرطي/ الرقيب في نفوسهم أي سلطة. ربما لا أكون سعيداً لخفوت الأدب أو الرواية بحكم تخصصي أمام هذا المد الكبير للإعلام الجديد, لكنه نظام السنن في الحياة, تلك السنن التي وضعها الله تعالى وجعل من خلالها لكل شيء قدراً وزمناً. كما أن تلك السنن تعطي الإشارات والاعتبارات لكل إنسان لكي لا يكون جامداً ومتقوقعاً على فكرة واحدة يعيش لها حياته كلها. إن الحياة مليئة بالتجديد والتغيير, والإنسان الايجابي هو الذي يمارسها بإيجابية ومتعة, وخير المتع ألا يحزن على ما فاته ويفوته, فالمستقبل مهما كان مخيفاً فانه أوسع من الماضي مهما كان جميلاً. [email protected]