قبل نحو ثلاثة شهور أصدرت وزارة الصحة تقريرا شاملا عن مستويات الأداء بجميع الأقسام والوحدات الصحية لم يترك شاردة أو واردة ولم يتناولها، ولعل الوزارة كانت فخورة بالنتائج الإحصائية المذهلة التي كانت تصب في مصلحتها وتعزز دورها الخدمي، خاصة وأنها نالت مستوى متقدما من الرضا، وفي الواقع ذلك جيد وينبغي أن يكون ديدن جميع الوزارات والجهات التنفيذية ذات الصلة المباشرة بمصالح المواطنين، حيث ان مستوى الرضا في أي عينة عشوائية من الجمهور يحدد مدى النجاح من عدمه، وقياسا برضا الجمهور عن وزارة الصحة فذلك كفيل بأن يستثير فخرها واعتزازها بذلك الرضا. الى هنا والأمر طبيعي، ولكن غير الطبيعي أن تأتي تقارير أخرى لا تنقصها الموضوعية من جهات رقابية معنية بالشفافية وأمراض الإدارة الحديثة وتخالف الواقع الجميل والصورة الذهنية الرائعة التي رسمتها وزارة الصحة عن نفسها، وقد تكون تكلفت فيها الكثير، حيث كشف ديوان المراقبة العامة مؤخرا عن مخالفات صارخة في مستشفيات وزارة الصحة، العامة والتخصصية، وانتقد تقرير وصول عدد المرضى في قائمة الانتظار إلى أكثر من 100 ألف مراجع لدى عدد كبير من المستشفيات بوزارة الصحة، ومن ضمنها مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون. وأوضح التقرير الموجه لوزير الصحة أنه خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2010 م قام مدير المركز الترفيهي ونائبه في مستشفى الملك خالد التخصصي بعمل دورات تدريبية لتعليم الرقص في الوقت الذي بلغ فيه عدد المرضى في قائمة الانتظار 52 ألف مراجع، وأن بعض الأطباء استقبل فقط سبعة مرضى خلال 30 يوماً بالرغم من العدد الهائل لمن هم في قائمة الانتظار، في الوقت الذي تتكدس فيه قائمة الانتظار في مستشفيات أخرى بالمناطق. ربما تجد الوزارة أنها أسهمت الى حد كبير في إطار الموضوعية أيضا في تمليك الديوان كثير من المعلومات الصحية التي يطلبها لتقييم الأداء العام، ولكن كيف يمكن أن ننظر في اتجاهين متناقضين أولهما مستوى رضا متقدم، وثانيهما كمية من الحقائق السلبية التي تصيب بدهشة حين ننظر ونراقب الأداء العام لوزارة الصحة أو حتى نراجع احدى مؤسساتها لنواجه كثيرا من المشكلات ليس أولها الانتظار ولا آخرها الأخطاء الطبية وفي الحقيقة لم يصدمني ذلك وأنا الذي كنت قرأت التقرير الأخير عن رضا المواطنين عن أداء المؤسسات الصحية الذي نال علامة ترقى الى «جيد جدا» وذلك قبل نحو ثلاثة شهور كما ذكرت، وهأنذا اطلع على تقرير من جهة حاسمة ولا يدانيني الشك في حياديتها ونزاهتها، وقد استدل التقرير الذي أصدرته ضمن الأخطاء التي رصدها أن أحد الأطباء خلال شهر فبراير 2011 لم يستقبل سوى سبعة مرضى، كما أنه لم يتم توظيف أطباء سعوديين منذ حوالي سنتين رغم وجود وظائف شاغرة، إضافة إلى استقالة بعض الأطباء خلال تلك الفترة، وعدم تقيد جامعة جون هوبكنز بالاتفاقية المبرمة معها التي تضمنت توفير الأطباء، حيث لم يتوافر سوى طبيبين منذ توقيع الاتفاقية، وتكرار تعطل جهاز الليزك ما أدى إلى تأجيل إجراء كثير من العمليات الجراحية. وطالب التقرير بفتح مساءلات واسعة حول ذلك ومراجعة قوائم الانتظار على عيادات الأطباء بكثير من المستشفيات للتأكد من عدم وجود حالات مماثلة، واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تمنع تكرار مثل ذلك مستقبلاً ومحاسبة المتسببين، ربما تجد الوزارة أنها أسهمت الى حد كبير في إطار الموضوعية أيضا في تمليك الديوان كثيرا من المعلومات الصحية التي يطلبها لتقييم الأداء العام، ولكن كيف يمكن أن ننظر في اتجاهين متناقضين أولهما مستوى رضا متقدم، وثانيهما كمية من الحقائق السلبية التي تصيب بدهشة حين ننظر ونراقب الأداء العام لوزارة الصحة أو حتى نراجع احدى مؤسساتها لنواجه كثيرا من المشكلات ليس أولها الانتظار ولا آخرها الأخطاء الطبية. تحتاج وزارة الصحة الى الاعتراف بأن هناك قصورا كبيرا في الأداء العام، ليس على النحو الذي قام به مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون في الرد على تقرير ديوان المراقبة العامة بخصوص وجود مخالفات به، وأشار المستشفى الى أن هذه المخالفات تم رصدها من إدارة المستشفى والتعامل معها في حينه، وإبلاغ المراقبة بها وليس العكس، مؤكدا التعامل بشفافية مع جميع الجهات، والاعتراف بالحق فضيلة ينبغي تعزيزها في الوزارة بدلا من الرد غير الموضوعي على تقارير المراقبة العامة، وربما كانت المشكلة في الكوادر التي لم يتم تأهيلها جيدا لتقديم أي خدمات صحية متطورة تتعامل مع المراجعين كعملاء يستحقون الخدمة والرعاية دون تسويف أو بيروقراطية وعدم مسؤولية تجاههم، لقد وفرت الدولة كل المعينات للوزارة وأنشأت أكثر المؤسسات الصحية والعلاجية تطورا، ووفرت لها أحدث الأجهزة وفتحت مسارات للتواصل مع المؤسسات العلمية والصحية العالمية الكبيرة، إذن المشكلة في الكادر الصحي الذي يحتاج الى إعادة تأهيل وتطوير قدرات بدءا من أصغر الموظفين وانتهاء بأكبرهم، فهناك على ما يبدو فراغ في حرفية القيام بالواجب الصحي. [email protected]