على عجل أوقفني أحد أصدقائي بعد صلاة المغرب في المسجد، قال لي: لقد انتهيت اليوم من الدراسة الصيفية في الجامعة ولم يبق من الشهر الكريم سوى عشر ليال بأيامها.. فماذا أصنع فيها؟ قلت له: سأرسل لك شيئاً على بريدك الالكتروني، ثم تذكّرت وأنا في طريقي أن الكثير من الدوائر والشركات الحكومية وأغلب الشركات الأهلية، وكذلك البنوك تجيز موظفيها لأيام قبيل عيد الفطر المبارك، وهو مكسب وفرصة ينتظرها الجميع خصوصاً في هذا الصيف اللاهب. بالأمس أرسلت ما وعدت صديقي به، وهو ما خطر على البال بشكل سريع، ولدى القارئ الكثير مما يثري الموضوع، وسأنقل هنا نص ما كتبته له بعد حذف المقدّمة من السلام والتحية. سرّني كثيراً أن يراودك هذا السؤال، وان تستحضر قيمة هذا الشهر الكريم، وتسعى فيما بقي منه لتدارك ما فات، فهذا توفيق منّ الله به عليك، وأمثالك يستحقه. روحياً: قرّر في الجانب الروحي أن تعطي المزيد من الوقت والجهد، وصارع نفسك قليلاً لينال الجانب العبادي نصيبه الذي ربما غفلت عن إشباعه طوال سنتك. اشغل نفسك بالصلاة وقراءة القرآن، وحفظ بعض السور، والتدبر في أمر آخرتك، وتأمل في أيامك كيف تنقضي وفي شبابك كيف يمضي، وفي عمرك كيف ينصرم؟ لا تنسَ أن تحسّن علاقتك بالمسجد، حاول أن تمكث فيه بعض الوقت لتصلي ولتقرأ القرآن الكريم. افتح قلبك على الله، وعوّد لسانك على الدعاء، تحدّث معه عن أمراضك الروحية وأخطائك وزلاتك، واختر الأدعية المباشرة والمؤثرة التي توضح الفجوة بينك وبين خالقك، ثم اطلب منه المغفرة والتجاوز والرضا، وتعهّد له بألا تعود وأن تسير في الطريق القويم، واتجه مباشرة لقضاء ما فاتك من الفرائض والصلوات والواجبات، فهذا شهر العبادة والتقرّب والتوبة إلى الله . افتح قلبك على الله، وعوِّد لسانك على الدعاء، تحدَّث معه عن أمراضك الروحية وأخطائك وزلاتك، واختر الأدعية المباشرة والمؤثرة التي توضّح الفجوة بينك وبين خالقك، ثم اطلب منه المغفرة والتجاوز والرضا.ألفت انتباهك إلى أن سهرات ليالي رمضان مع الأصحاب والأصدقاء ستحاول شدّك إليها، وكثرة النوم في النهار ربما تأخذ نصيبها منك، ومسلسلات الفضائيات ستناديك لمتابعتها، والانترنت سيجرّك إليه كما كنت، والأسواق ستغريك لتكون من روادها الدائمين، لكن تيقّن أن الشهر الكريم لا يقصد فيه إلا الكريم، فاتجه إليه ولا تركن لسفاسف الأمور وصغائرها، فساعات هذا الشهر من أفضل الساعات. سلوكياً واجتماعياً: تذكّر أن بإمكانك تغيير عاداتك السلبية، قرّر مثلاً أن تقاطع الدخان بشكل تام، وتوقف عنه بعد الإفطار، واحسم أمرك مع هذه العادة السلبية المضرة، فأنت أكبر منها، وإرادتك أمضى من أن تلويها هذه العادة القاتلة. انتبه للسانك وعوِّده على الصدق، وعلى عدم الكذب وعدم الغيبة وعدم الكلام الفاحش، واجعل طهر لسانك في هذا الشهر الكريم مسطرة تقوّمه بها لسنتك المقبلة. ربما كنت مشغولاً في أيام الشهر الأولى فلم تفكّر في إطعام صائم، فابدأ بمن حولك، إن كان لك أو لعائلتك سائق شخصي، أو كان عامل من العمال الأجانب منزله أو عمله قريباً من منزلك فخصّص له بعض الأيام التي تقدّم له فيها إفطاره لوجه الله . قم بتفقد الأسر الضعيفة من عائلتك أو غيرها إن لم يوجد منها، وعوّد يدك على البذل والعطاء والتخفيف عن الناس، فالجوع متعب ومؤلم، والفقر كافر لا يعرف الحدود والضوابط. يمكنك في هذا المضمار أن تقوم بزيارة للجمعيات الخيرية القريبة وتقديم ما تجود به نفسك. النتيجة: المهم هو أن يتحوّل الشهر الكريم إلى منهج حياة ينعكس على علاقتك الدائمة مع الله، وعلى تعاملك الصالح مع نفسك ومع الناس من حولك، فتفكر وتأمل، ولا تختزل عطايا الشهر وهباته في أيامه فقط، بل حاول أن تصحبها وتصحبك في كل أيامك وحياتك.