يبدو أنه من المفارقات التي أصبحت دائمة أن يدخل شهر رمضان شهر السلام والمغفرة وعبادة الله بينما ينشغل عرب ومسلمون بقتل عرب ومسلمين آخرين. وكأن البطش والقتل أصبحا أحد طقوس هذا الشهر أو أحد واجباته والتزاماته. شهر رمضان هو شهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتصفّد الشياطين، كما أخبر إمام الهدى المصطفى «صلى الله عليه وسلم».. ولكن شياطين العرب الراهنة المتعطشة للدماء لا تخرج إلا في الأشهر الحرم ولا تقبل فيها عملاً بلا سفك دماء بأبشع الصور، ولا تقبل سلوكاً لا يعبّر عن سادية منحرفة ظمأى للثأر مع الناس وتصفية الحسابات الغائبة الغامضة معهم. والنظر إلى شوارع المدن العربية المليئة بالضحايا الثائرين والأبرياء المسجين في الأكفان والأبرياء مشروع القرابين، يدرك أن الانحراف والسلوك السادي والإجرام الدموي ليس إلا خلقاً أصيلاً لقوى البطش والظلام، تزين لها الشياطين سوء العمل ويسعى إليها الضلاليون وأبالسة الأنس بالنصيحة الخبيثة النتنة التي تزيد من شلالات الدم وتعمق الفتن وتخرب الأوطان والأمصار وتربك العقول وتلبس على أهل النهى سبل الحكمة ورشد الصواب. والعجب أنه لا يجد مدّعون للعروبة والإسلام، في نواحٍ عدة من العالم العربي، إلا هذا الشهر الكريم الفضيل ليختاروه شهراً للانتقام وتصعيد آلة القتل وتصفية الحسابات وإرسال الأبرياء جماعات وأفراداً إلى لواهب النيران وظلمات السجون وتعب المنافي. ثم يباركون للأمة شهرها، ويرجون الله أن يقبل أعمالهم وهم لم يتركوا كرامة لجسد ولا طهارة لنفس إلا ونالوا منها أو أهانوها بالبطش أو التشويه. وفي شهر الله العظيم لم تنس قوى البطش أن تخصّص للمساجد حقها من التدمير والتخريب والتلويث. فكم من مئذنة مسجد هُدّمت، وكم من منارة قصفت في العالم العربي في هذا الشهر الكريم بالذات؟. أليس ذلك شذوذاً في السلوك والفكر والعقل وإمعاناً في إذلال الناس وإشباعاً لرغبات مريضة، وانحداراً إلى درك لا يمكن تبريره أو تفهّمه أو توقعه من الولوغ في الدم العربي وإهانة كرامة الوطن، حتى ضجّت المدن وضاقت الأودية، وعلا صوت النداء الأخير استغاثة لله في شهره الكريم أن ينصر اهل الخير والصلاح وأن يدمّر أهل الفتنة والضلال والبطش والخراب.