يتفاوت الناس في شؤون دينهم ودنياهم اخلاصا ومسارعة للخير واتقانا للعمل والمنافسة فيه وهذا أمر لا ينكره احد. ولعل الذي تنكره النفوس هو عدم معرفتها أين مكانها بين هؤلاء، فتظن انها في احسن احوالها ودليلها على ذلك رضاها عن واقعها وعدم التفكير في تغييره ويتضح هذا أكثر في أمور الآخرة لان الإنسان مجبول على حب الدنيا والانغماس فيها، والله يعطي البصيرة لمن شاء فيرتقي بنفسه مستشعرا قول الله تعالى في كل ركعة (اهدنا الصراط المستقيم) وان الهداية انواع ودرجات ومن اعظمها الهداية لهذا الدين العظيم والثبات عليه والسعي الدائم في كل خير، والانشغال بالفاضل على حساب المفضول والنظر فيما يحبه الله من الافعال والاقوال الظاهرة والباطنة واداؤها على احسن وجه باخلاص كامل لله متذكرا قول الله تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) لا اكثركم عملا. يقول تعالى عن اصناف الناس في هذه الأمة المباركة ممن هداه للإسلام (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) يقول صاحب تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الاية من سورة فاطر، كعادته في نشر درره في هذا التفسير القيم الذي تميز بكثرة استنباطاته ووضوح عباراته واختصاره وشموله على الفوائد العقائدية والاخلاقية والتربوية والاحكام الشرعية واللفتات اللغوية والبلاغية وفي مجلد واحد فرحمه الله رحمة واسعه، يقول في تفسير هذه الاية وهم هذه الأمة (أي الاصناف الثلاثة) فمنهم ظالم لنفسه بالمعاصي التي هي دون الكفر ومنهم مقتصد، مقتصر على ما يجب عليه، تارك للمحرم ومنهم سابق بالخيرات أي سارع فيها واجتهد فسبق غيره وهو المؤدي للفرائض المكثر من النوافل التارك للمحرم والمكروه. المراد من ورثة الكتاب وراثة علمه وعمله ودراسة ألفاظه واستخراج معانيه فكلهم اصطفاه الله تعالى لوراثة هذا الكتاب وان تفاوتت مراتبهم وتميزت احوالهم فلكل منهم قسط من وراثته حتى الظالم لنفسه فان ما معه من اصل الإيمان وعلوم الإيمان واعمال الإيمان من ورثة الكتاب لان المراد من ورثة الكتاب وراثة علمه وعمله ودراسة ألفاظه واستخراج معانيه وقوله بإذن الله راجع إلىالسابق بالخيرات لئلا يغتر بعمله بل ما سبق إلى الخيرات الا بتوفيق الله تعالى ومعونته فينبغي له ان يشتغل بشكر الله تعالى على ما انعم به عليه «ذلك هو الفضل الكبير» أي وراثة الكتاب الجليل لمن اصطفى تعالى من عباده هو الفضل الكبير الذي جميع النعم بالنسبة إليه كالعدم فأجل النعم على الاطلاق واكبر الفضل وراثة هذا الكتاب» انتهى كلامه رحمه الله فتأمل اخي هذه الاستنباطات واللفتات التربوية العظيمة. وقد احسن الامام المقدسي صاحب كتاب مختصر منهاج القاصدين عندما صنف الناس في رمضان إلى ثلاثة اصناف لينظر الموفق والحريص أين تقع قدماه بين اقدام السائرين إلى الله حيث يترتب على سيره إلى الله في الدنيا واخلاصه وتحريه الخير سيره على الصراط حيث يمر أناس كمرور البرق وبعضهم كالريح وبعضهم يعدو وبعضهم يحبو وبعضهم يكدس في جهنم والعياذ بالله. والصنف الثاني هم من ترك الحرام وحافظ على صيامه في الليل والنهار. والصنف الثالث هم من أشغل جل وقته في الطاعات حسب ما تيسير له من تركه للحرام.