مخزون حياة الإنسان هي ذكرياته الجميل منها والعسير، فعصارة مخزون الوجدان الإنساني هي تلك الأحداث التي خاضها في حياته. فالذكريات ليست شخصية إلا بقدر ما مارسه الشخص من صناعة للأحداث وإنما هي فعل يشترك فيه الزمن والتراث والثقافة والأشخاص، فكل ذكرى معجون مركب من كل هذا الذي مضى ذكره. فالذكرى ليست مخزونا شخصيا فحسب بل منها ينبعث جميل الأيام القديمة وبساطتها وأيام الطفولة والصبا أو الشباب وفيها جمال التحدي للصعاب وصناعة المستقبل. هي ذلك المقطع الزمني الذي مر فيه الإنسان من صعوبة التحدي وانغلاق الدروب إلى رحابة الأمل والمستقبل الواعد. فخلاصة حياة الإنسان مما قطعه في الزمن من مشوار هي هذه الذكريات التي للبعض منا هي ما يستند عليه اليوم من واقع اجتماعي ومركز مرموق وهي للبعض الآخر القاعدة التي منها يصنع مستقبل الأيام. فقيمة الذكريات لاتقل اذا ماتزيد عما اختزنه الإنسان من ثروة. فقد يذهب المال وتستعيد الذكريات الثروة ففي قصص المشاهير من الأثرياء شاهد. فإذا للذكريات هذه القيمة فالترويج لثقافة قيمة الذكريات والاعتناء بها أهمية لاتقل عن أهمية الاحتفاظ بالارشيف الوطني للأمة خلاصة ذخر الأمة وتاريخها و عصارة تجارب الأمة في ذكريات أبنائها. إن الترويج لثقافة الذكريات يعني أن ذكريات الأفراد قل شأنهم أم كبر محترم ولابد من خلالها مكافحة احتقارشأن الذكريات. وتعتبر التربية المدرسية مهمة لترويج ثقافة الذكريات من خلال التشجيع على نقلها من عالم الخيال لعالم الشفاهة ومن ثم لواقع التدوين والترويج. فحفظ الذكريات في دائرة الأسرة هو ذلك الميراث الذي يخلف للأبناء خصوصا تلك التجارب التي فيها الاخفاقات كي لايضعف الأبناء أمام تحديات الحياة فيستمد الابناء خلاصة الخبرات لصناعة حياتهم. والذكريات في دائرة المجتمع الصغير هي تداول الماضي للحاضر وهو تأصيل لتلك القيم التي منحت الحاضر الاستقامة. والذكريات في دائرة المجتمع الكبير هو مكافحة لكل شكل من اشكال التعصب الذي يريد من خلال الفهم الناقص استبدال الأصيل من القيم بالناشز من العادات المستجدة. ففي ذكريات المجتمع الكبير من الأساليب الحياتيه التي تمنح الحياة اليوم نكهة الأصالة التي فيها تتشكل هويتنا ومن نسيجها نعرف بعنواننا. فلا يستحينّ أحد من رواية ذكرياته لأبنائه ولايتردد في ذكر فشله لهم. فورّث لأبنائك تجاربك كما تورّث لهم ما اختزنت لهم من المال والعقار. [email protected]