تداول الليل والنهار في العشر الاواخر من شعبان يقرّب المرء من نفحات رمضان العطرة. وكما يقترب شعبان من ابواب رمضان تختلط نسمات رمضان برياحه الاستهلاكية. انه تزاحم تختلط الحركة فيه بين مكافحة الذات من التصحُّر المعنوي وثقافة امطار الذات بأنواع اللذة واشكالها. انه في الثاني نزوع نحو الخارج بتعزيز ثقافة الذات وفي الاول نزوع عن الأنا. يتجدَّد في مطلع هذه الايام التزاحم، ولعله الصراع بين اولويات الذات واحتياجاتها.. فإما الفعل الذي يعدُّ الذات لثراء المعنى وتعزيز اركانها، وإما الانشغال في استفحال طغيانها وتمدُّد شرعيتها. وهكذا.. فرمضان ليس استعداداً يبدأ على ابواب حانوت الخضار واسواق اللحم، بل يسبقه ذلك التأمل في السبيل لخلق التوازن بين الحاجة للمعنى وكل ما يدعمها من الاحتياجات المادية. ويقفز تساؤل اهم وهو في الحاجة لطلب المعنى في رمضان وغاياتها النهائية. الرمضانيون اصناف.. فمنهم من يرى في المعنى طلباً لذاتها وغاية بنفسها، فيلحُّ في الطلب ويشدّد على قطف ما امكن. ومنهم من يرى المعنى وقوداً لغايات فيصرف في جانب منها في اصلاح النفس لتتجدد القوى الفكرية وتستقيم الارادة.ان المعنى اداة تخلق في الانسان العدل ليعتدل المزاج الانساني وتستوي طاقاته الروحية والجسدية، فيتحرّك في بناء قيمومة الانسان العادل على الارض. إنها غاية المصلحين ومُنى الجادين الذين يرون في رمضان ارضاً فيه تزرع المعنى لتحصد الارادة والعزة والوعي. انها غاية الرساليين الذين يرون رسالة الانسان في الارض تضمحل في حياة المترفين الذين اختزلوا الوجود في ملذات الفرج والبطن، واذا تجاوزوا قليلاً فشيئاً من هذا وذاك من الثقافة زاداً لتشتغل به المجالس ويحمى وطيسها. المعنى ليس مخزوناً لتضخّم النفس فلا ترى الا النزوع نحو التدين، فلا فارق بين نفس تضخّمت بالمعنى وجسد تراكمت فيه الشحوم.. فكلاهما يورث الكسل والعزلة. ان المعنى اداة تخلق في الانسان العدل ليعتدل المزاج الانساني وتستوي طاقاته الروحية والجسدية فيتحرّك في بناء قيمومة الانسان العادل على الارض. انه وعد الله الذي وعده بالاستخلاف كما اشارت الآيات (القصص 5، النساء 75، النور 55). فمرحباً بنسمات رمضان.. ومرحباً بمحصوله المعنوي. [email protected]