تطرّقت في مقالتي الماضية عن (فرضة الخبر) الموقع التاريخي المهم الذي سقط من أجندة الهيئة العامة للسياحة والاستثمار، وسقط من ذاكرة المسئولين لنيل حقوقه من التطوير والتدقيق الحاصل للآلية السياحية في المنطقة الشرقية، للرفع من سياحتنا وجعلها في مصاف الدول التي يقصدها الزوار من مختلف دول العالم. اليوم.. للمرة الثانية نقول لمن قصدناهم في المقالة السابقة انه يوجد موقع تاريخي آخر لا يقل أهمية عن (فرضة الخبر) وهو موقع ((عين السيح)) الذي يُعتبر من أهم وأكبر مواقع الاستيطان المبكر في الجزيرة العربية على ساحل الخليج العربي، حيث يعود عهد الاستيطان إلى عصر (حضارة العبيد) في العراق قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، كما تشير المصادر إلى أن قبيلة الدواسر قد سكنت هذه المنطقة خلال حقبة زمنية، حيث كان الموقع السكني لهذه المستوطنة غرب المبنى الحجري وهو عبارة عن شريط ضيق على أطراف نهاية منطقة كثبان رملية انتشرت عليها الكثير من القطع والأحجار الرمادية عليها طبعة الحبال الليفية التي تمثل أجزاء من أكواخ أو عشش سكنية قديمة، مما يدل على وجود المستوطنة ووقوف هذه الأكواخ أثناء ارتفاع منسوب مياه الخليج العربي. نرى أن يحوّل هذا المكان إلى مركز سياحي ترفيهي يقصده الزوار، وتوثق معلوماته التاريخية في لوحات بانورامية مزوّدة بالصور، وإقامة مقاهٍ شعبية، وسوق للحرف اليدوية، وأماكن لتقديم العروض الفلكلورية الشعبية، وإنشاء مدينة ترفيهية تضمّ مختلف الألعاب وتقع ((عين السيح)) في المنطقة الشرقيةجنوبالظهران ب 10 كيلو مترات، وشمال غرب العزيزية ب 4 كيلو مترات، وعن مياه الخليج العربي المفتوحة بحوالي 5 كيلو مترات، وللتحديد الدقيق للقارئ نقول إنها تقع حالياً على جانبي الشارع الذي يصل ساحل العزيزية بالظهران (بعد مخرج مملكة البحرين) تبدأ من سيف ساحل العزيزية وتمتد إلى حوالي 4 أميال حتى أسوار المطار، وهي منطقة زراعية تكثر فيها النخيل، والعيون، والتلال، والقبور التي تعود إلى ما قبل الإسلام، كما وجد بالموقع العديد من القطع الأثرية النادرة من أوانٍ، وأحجار كريمة، وفخاريات، وعملات، وأختام تدل على تلك الفترة، ويرجّح أن سبب هجران هذه المنطقة يعود إلى امتداد البحر، وإغراقها، مما حدا بأهلها إلى هجرتها تاركين خلفهم ممتلكاتهم وفخارياتهم، وأدواتهم التي شوهدت من قبل النقابين الأثريين وذلك قبل سبعة آلاف سنة. عزيزي القارئ.. إن التنقيب العلمي بهذا الموقع سيكشف عن الكثير من الأسئلة التي تتعلق بالمناخ القديم والظروف البيئية التي ساهمت في تكوين الخليج العربي وأيضاً تكيّف إنسان هذه المنطقة وهجراته المحلية لظروف هذه المتغيّرات، فهذا الموقع المتكامل من أفضل المواقع للدراسة الأثرية وان الكثير من الحلقات الضائعة من تاريخ المنطقة القديم بين رمال هذا الموقع الفريد والغني بمعثوراته المتنوّعة التي تدل على استقرار مبكر في فترة لا نعرف عنها إلا القليل في منطقة الخليج العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تسبق الجرافات والآليات مسح المتبقي من ذاكرة الأرض في طيات موقع ((عين السيح)) !!!. ونظراً لأهمية هذا الموقع سياحياً وترفيهياً الذي كان متنفساً لأهالي الخبر والدمام قبل أكثر من خمسين عاماً، حيث كانت الأسر تقيم الكشتات (الرحلات) والسمرات بهذا المتنزه المميّز، كما يجسّد هذا الموقع أهمية كبيرة للمهتمين بالسياحة والآثار لما يحويه من كنوز أثرية ذات قيمة فكرية علمية عالية جداً في تاريخ علم الآثار.. فالموقع يعتبر متنزهاً زراعياً بحرياً برياً، يضمّ مختلف التضاريس الجغرافية والمناخية، لذا نرى أن يحوّل هذا المكان إلى مركز سياحي ترفيهي يقصده الزوار، وتوثق معلوماته التاريخية في لوحات بانورامية مزوّدة بالصور، وإقامة مقاهٍ شعبية، وسوق للحرف اليدوية، وأماكن لتقديم العروض الفلكلورية الشعبية، وإنشاء مدينة ترفيهية تضم مختلف الألعاب، كما أرى أن يُقام بالموقع متحف أثري يجمع آثار ومقتنيات ومعالم المنطقة، ليكون ذلك توثيقاً لحضارة ((عين السيح)) الأثرية، كما نرى ونشاهد ذلك في الدول الأخرى، وأن يُعاد اكتشاف المنطقة من جديد، والاهتمام بها والحدّ من الزحف العمراني وهدم معالم الطبيعة الجميلة التي تميّزها، والحرص على أن تبقى هذه التضاريس ميزة لجذب السياح للمنطقة مع توفير الفعاليات والنشاطات السياحية في هذا المكان، وأن يتم إدراجها في مذكرة السياحة حتى ينالها جانب من الاهتمام والتقدير من المعنيين. [email protected]