حين حدثت ثورة مصر تنفس العرب الصعداء حيث كانت الخسائر قليلة قياسا بثورات أخرى لأن الجيش المصري تسلم الأمر وانحاز للشعب المصري وكان من المؤمل أن تجري الأمور في مسارها الطبيعي وتنتصر إرادة الشباب الذين أشعلوها لكن ما حدث بعدها يضع علامات استفهام كبيرة حول النهاية فما زالت الاحتجاجات تتواصل والمظاهرات لا تغادر ميدان التحرير خوفا من أن تكون التضحيات ذهبت هدرا من قبل الشباب وتخوفا من الجيش أن تذهب مصر إلى فوضى. من الطبيعي أن تكون الشكوك هي سيدة الموقف في عالم عربي لم تذق فيه الشعوب طعم الديمقراطية الحقيقي طوال تاريخها الحديث لأن هناك من حكمهم بالنار والحديد وعندما أزيلت بعض الأنظمة تعاظمت المصالح وتداخلت الأهداف في الداخل والخارج لنرى الشظايا تتطاير في سماء مصر وهي مشكلة طالت مصر فما بالك بدول أخرى مازالت تتنازعها العواصف ولم تحسم فيها الأمور مثل اليمن وليبيا وسوريا وحتى تونس مما قد يدفع بمواطنيها البسطاء إلى الترحم على أيام زمان ويفاضلون فيها بين الأمن والاستقرار والديكتاتورية كما هو حادث في العراق؟! مصر كبيرة بمفكريها وسياسييها وتنتابها موجة اللااستقرار حتى إن أي شائعة في الشارع يمكن أن تولد نيرانا وقتلى وضحايا كما حدث في الأحداث الطائفية الأخيرة في مصر أو في الشائعة التي حاول فيها المواطنون اقتحام مبنى وزارة الداخلية المصرية بحجة احتجاز أم أحد شباب الثورة؟! الثقة مازالت مفقودة في مصر كما في غيرها لأن تاريخا طويلا من العنف والكذب والخداع والتضليل لا يمكن إنهاؤها بسهولة وكل ما نحتاجه هو بناء جسور الثقة بين الأنظمة والشعوب في عالمنا العربي وذلك لن يكون ما دامت هناك فجوة متسعة من الطبقات بين الشعب الواحد وفجوة كبيرة ما بين الأحزاب والأتباع وما بين السياسيين وما بين قادة الرأي والمواطنين العاديين وفجوة كبيرة في الوعي الذي يؤصل القانون والعدالة والحقوق والواجبات. قد تحتاج الثورات العربية إلى سنوات كي تأخذ شكلها النهائي في الاستقرار ليمكن بعدها تأسيس نموذج حي تسير على هديه الأجيال الجديدة والتي تعيش الآن الربيع العربي وهي فترة مراهقتها أو طفولتها ولا يكاد يلفت نظرها من الشاشات الفضائية سوى نشوة حشود المتظاهرين وصراخهم الذي يصم الآذان. نأمل أن تستقر الأمور في مصر كما في كل البلدان العربية وأن تتحقق آمال شعوبها بأقل الخسائر الممكنة.