ابنتي تستيقظ ظهراً بمزاج متعكر، تجلس في المكان نفسه، تتمدد بعد أن ملت الجلوس...ثم تجلس، تشاهد المسلسل عدة مرات، تتنقل بين الأفلام و البرامج، وتفتح ثلاجة الطعام مئات المرات، ثم تنام فجراً (بالمزاج نفسه) لتستيقظ ظهراً للمرة الألف...ما الجديد؟! ذكرني القرار الملكي السامي (121/أ) و الذي يتضمن أمرا بتفعيل حزمة من البرامج الخاصة بالتوظيف و من أهمها ما يتعلق بتأنيث الوظائف –ذكرني- بقصة قديمة جديدة إلى حد ما. منذ أكثر من خمسين سنة التفت اقتصاديو الولاياتالمتحدة إلى خطر تهميش الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، فقد تراكمت المشكلات على ذاك المجتمع بسبب التمييز و التهميش المتعمد، تلك المشكلات تجاوزت نتائجها لتشمل الكيان الأمريكي كأمة، أدرك الاقتصاديون (الأخيار) بأن شريحة عريضة من الأمريكيين عندما تعاني الفقر والجهل والتحييد فذاك أمر كفيل بإعاقة تقدم أي أمة على وجه المعمورة. القوانين والسياسات التي يرسمها الحكماء و الأخيار للأمة، كفيلة بحل الكثير من المشكلات ليست الاقتصادية و حسب، بل الاجتماعية و الثقافية أيضاً. فتم تأسيس إطار واسع من القوانين والسياسات التي تستهدف منع التمييز ضد الأقليات العنصرية و العرقية ومن ضمنها المرأة ، و تم استحداث (بشكل مؤقت) بما يسمى «بالتمييز الإيجابي» أو «الإجراء التوكيدي» وهو مجموعة من الإجراءات تضمن «المعاملة التفضيلية» للأقليات وللمرأة، فعندما يتقدم اثنان بنفس الكفاءة لوظيفة معينة فبناءً على سياسة «التمييز الإيجابي» يجب أن ينال الوظيفة المنتمي للمشمولين بالمعاملة التفضيلية و هم الأقليات و النساء . و لأن هذه القوانين والسياسات كانت محاطة بمجموعة من الإجراءات الرقابية فقد تمت متابعة جميع المؤسسات التجارية بما يتوافق مع سياسة «التمييز الإيجابي»، وبالفعل فقد تم وفي فترة قصيرة جداً إنعاش هذه الأقليات بشكل ملائم ، و تغيير وضعها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي أيضاً ، أصبحت الأقليات مندمجة اندماجاً أصيلاً بالاقتصاد العام للأمة . استفاد الأمريكيون الأفارقة و المرأة من هذه السياسات فأصبحوا أكثر حضوراً اقتصادياً و ثقافياً حتى توجت هذه السياسات بوصول «أوباما» إلى سدة الحكم، علاوة على تبوء الكثيرين و الكثيرات لمناصب أكاديمية و سياسية هامة في البلاد، فقد تطورت الحساسية الثقافية سواء من الناحية الجنسية (امرأة و رجل) أو العنصرية (أبيض و أسود) و استمرت في التطور من الجانبين، فأصبح الرجل يقبل بوجود المرأة في منصب أعلى منه وكذلك الأبيض. والمهم أنهم و العالم أجمع اقتنعوا بأن التحضير لمسيرة طويلة على طريق الحضارة يحتاج لأن تصل الدماء إلى جميع أعضاء جسد الأمة . الدرس الذي أراه مهماً في هذه الحكاية، أن القوانين والسياسات التي يرسمها الحكماء والأخيار للأمة، كفيلة بحل الكثير من المشكلات ليست الاقتصادية وحسب، بل الاجتماعية والثقافية أيضاً، فليس باستطاعة الفرد و لا المجتمع في ظل تعقيدات الحياة الحديثة إحداث تجديدات جذرية في الفكر و الثقافة بقدر ما يمكن للقانون و السياسة فعله . لذا أرى أن القرار الملكي (121/أ) من أهم القرارات التي يمكن أن تحدث تغييراً اقتصادياً واضحاً، بالتوازي مع التغيير الاجتماعي و الثقافي، سيعيد القرار تشكيل مزاج و ميول وآمال نصف المجتمع، كما يعيد توزيع الموارد و العوائد بين أفراد المجتمع بما يعزز مفهوم العدل الاجتماعي، وأغلب الظن أن ما هو مرفوض اليوم قد يكون طبيعيا و أساسيا غداً! الآن...ابنتي تجلس مبكراً، يشدها إلى عملها الحماس و الأمل، تبتسم بذكاء، وتنظر بكبرياء، تجبر الآخرين على غض أبصارهم ، و تقهر بمعرفتها و تفانيها كل شك أو تشكيك، تعود ابنتي إلى البيت وفي يدها هدية لصغير و في قلبها شوق لكبير...أليست ابنتي رائعة الآن؟