العالم العربي يتغيّر والمسرح يتغيّر ولا بد من بدء فكر سياسي جديد في الوطن يتعانق مع التغيير.. فالمواطنون لم يعودوا رعايا ولا أتباع «مفوّهين» حزبيين.. ومنذ بداية السنة الراهنة لم يعد للصيغ الحزبية التي أكل عليها الدهر وشرب في الوطن العربي وإشباع النظارة بالخطب العصماء الفارغة أي معنى أو حتى احترام.. لهذا يجب ان يكون التعاطي مع المواطنين العرب عالمياً في الفكر والوعد والعمل. فوسائل الإعلام الحديثة كسرت الحواجز والانترنت، وفتحت حرية التعبير على مداها لكل الأفكار والملل والتوجهات والانتقادات.. لهذا فإن الذين يواجهون الأوضاع الراهنة بالوسائل القديمة سوف يخسرون، وسوف يجدون أنفسهم يتعاركون مع الفراغ. ويتعيّن على الجامعة العربية أن توعي أعضاءها من الآن بضرورة التعامل مع المواطن العربي على أنه مواطن حي ومفكر وقادر.. فلم يعد رئيس الحزب هو المبجل الأوحد ولا رئيس الدولة هو المقصود بالولاء فوق الوطن والنفس، مهما حاول المطبلون أن يقفزوا على الحقيقة. ولا بد أن تعرف الحكومات العربية أن الشعوب قد تغيّرت وعليها أن تتغيّر وان تتخذ الإجراءات للحاق بالرقي الفكري لمواطنيها.. فوسائل الإعلام الحديثة فتحت كل النوافذ على العالم. بدلاً مما كان المواطن العربي أن ينتظر أياماً من وسائل الإعلام الحكومية أن تتفضل عليه بتصريحات منمقة ومحسّنة للأحداث وتطلعه على بعض الحقيقة، فإنه يستقبل الآن الحدث على جواله ومن الفضائيات ومن الانترنت، أحياناً، قبل أن تعلم به الحكومة نفسها. ويتعيّن أن تبدأ الجامعة العربية من الآن برنامجاً للتغيير في الوطن العربي، كي توفر على المواطنين وعلى الحكومات العربية الكثير من المتاعب والكثير من المواجهات وربما الكثير من الدماء.. فالذي حدث في ليبيا أن نظام القذافي واجه ظاهرة التغيير الشعبية الجديدة بوسائله القديمة وغروره وخطبه البالية. فدخلت ليبيا في نفق مظلم لأن النظام لم يتغيّر ولم يجدّد دماءه ولم يعلم حتى الآن الخطب العصماء لم يعد لها أي تأثير في المتلقي العربي الذي قد تغيّر إلى الأبد. وكذلك ما كان يجب في اليمن، إذ كان يجب أن يغتنم النظام الفرصة الذهبية التي قدّمتها دول الخليج لتهدئة الأوضاع وانتقال مشرف للسلطة.. وكان يمكن ألا يسفك أي دم في أي بلد عربي لو أن الأنظمة قد آمنت بأهم حقائق الحياة وهي أنه لا يوجد ثبات في العلاقات الإنسانية وإن الإصلاح الفعلي والعملي على الأرض هو الحل الناجع لظواهر التغيير الجديدة وليس استخدام القوة أو اللجوء إلى الوسائل القديمة الخاسرة. وبهذه المناسبة يجب أن نمتدح المبادرات الإصلاحية الشاملة والرائعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التي لا تزال تتواصل وتهيئ المملكة إلى العناق مع الغد. فالملك الصالح لا يزال يواصل مبادرات الوفاء ويتعهّد بالاهتمام بكل ما من شأنه خدمة المواطنين وتقديم حلول عاجلة للمشاكل التي يواجهونها.