دفع الهجوم الذي يشنه مسلحون متطرفون في شمال العراق السلطات الكردية إلى نشر اعداد غير مسبوقة من قوات البشمركة لحماية حدود اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، من «جيرانه الجدد». وكان رئيس الاقليم مسعود بازراني طلب قبل عشرة ايام من كافة عناصر البشمركة المتقاعدين الالتحاق بالوحدات العسكرية والاستعداد لكافة الاحتمالات؛ «نظرا للاوضاع الحالية المستجدة على حدود اقليم كردستان». وفي معسكر تدريب قرب اربيل، عاصمة اقليم كردستان العراق، يخضع عشرات الشبان الى تدريبات مكثفة قبيل التحاقهم بالقوات الكردية التي تواجه تحديا عسكريا كبيرا بحسب ما يقول الامين العام لوزارة البشمركة جبار ياور. ويوضح ياور في مقابلة مع وكالة فرانس برس: «نحن نتحدث عن مواجهة مع ارهابيين فوق مساحة ارض تمتد لنحو 1500 كلم. أصبح لدينا جيران لطفاء». وتتمتع قوات البشمركة الكردية التي خاضت معارك طويلة مع جيش نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بثقة سكان مناطق اقليم كردستان، حيث ان هذه القوة المدربة والمجهزة بشكل عال تعمل وفق مبدأ قومي وتعتبر نفسها جيشا يحمي دولة قيد التأسيس.وتشمل عملية التطوع في قوات البشمركة برنامجا يقوم على 45 يوما من التدريب ويشمل التمارين الجسدية والتعلم على استخدام الاسلحة.وفيما ينهمك المتطوعون في المعسكر بتمارينهم، يصل بين الحين والآخر مقاتلون سابقون يرتدون الزي الكردي التقليدي، وقد وصل عدد هؤلاء المقاتلين السابقين في الايام الاولى من دعوة بارزاني الى نحو 200 مقاتل بحسب مصدر في البشمركة. ويقول ياور «هذا اكبر انتشار لقوات البشمركة في التاريخ الحديث». ويضيف انه في السابق جرى نشر 13 لواء من قوات البشمركة الى جانب قوات من الجيش العراقي على مسافة 1500 كلم في منطقة تمتد من الحدود السورية في شمال غرب العراق الى الحدود الايرانية في شمال شرق البلاد. لكن ياور يشير الى انه لدى انسحاب القوات العراقية عند بدء الهجوم الكاسح للمسلحين في مدينة الموصل (350 كلم شمال بغداد)، تقدمت قوات اضافية من البشمركة لتملأ الفراغ.ويوضح: «عندما غادروا قواعدهم، خلقوا ثغرة وكان علينا ارسال قوات اضافية لسد هذه الثغرة»، رافضا اعطاء ارقام محددة حيال اعداد القوات التي جرى نشرها (لاسباب امنية). ومن بين الجنود الجدد الذين جرى نشرهم مقاتل يبلغ من العمر 24 سنة، ويتحدر من محافظة السليمانية، وقد جرى ارساله الى خط التماس في مدينة كركوك (240 كلم شمال بغداد) على بعد كيلومترات قليلة من مواقع المسلحين المتطرفين. ويقول المقاتل الذي رفض اعطاء اسمه «احاول الا أشعر بالخوف، لكنني أخاف أحيانا. لا شك أننا نخاف في بعض الاوقات». ويشير مقاتل اخر الى الاسلحة والآليات التي تمتلكها قوات البشمركة في المنطقة، وبينها دبابات وراجمات صواريخ وأسلحة رشاشة، لكنه يقول في الوقت ذاته ان المسلحين الذي يقودهم تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» المتطرف يملكون اسلحة مشابهة استولوا عليها من قوات الجيش المنسحبة.وتنتشر قوات البشمركة الكردية منذ بدء الهجوم الكاسح للمسلحين في التاسع من يونيو في مناطق متنازع عليها مع الحكومة المركزية في بغداد، وعلى رأسها مدينة كركوك الغنية بالنفط. المادة 140 وكان رئيس اقليم كردستان أكد الجمعة ان سيطرة الاكراد على كركوك ومناطق اخرى متنازع عليها مع بغداد امر نهائي. بعدما اعتبر ان المادة 140 من الدستور الخاصة بهذه المناطق «لم يبق لها وجود». وقال: «لقد صبرنا عشر سنوات مع الحكومة الاتحادية لحل مشاكل هذه المناطق وفق المادة 140 ولكن دون جدوى»، مضيفا: «كانت في هذه المناطق قوات عراقية وحدث فراغ امني وتوجهت قوات البشمركة لملء هذا الفراغ، والآن انجزت هذه المادة ولم يبق لها وجود». وتنص المادة 140 من الدستور على اجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها بين اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي والحكومة المركزية في بغداد وخصوصا كركوك الغنية بالنفط والتي تمثل اساس هذا النزاع. وفرضت قوات البشمركة الكردية سيطرتها بشكل كامل على مدينة كركوك في 12 يونيو الحالي في تحول تاريخي في هذه المدينة التي تضم أكرادا وعربا وتركمانا. من جهته يستبعد ياور ان تنسحب قوات البشمركة في وقت لاحق من المناطق الجديدة التي دخلتها، او حتى ان تتقدم للسيطرة على مناطق جديدة. ويقول: «استراتيجيتنا في هذه المرحلة تقوم على الدفاع عن هذا الانتشار فقط لمنع اي ارهابيين من دخول المنطقة. ونحن لن ننخرط في اي عمل عسكري خارج هذه الحدود».