تصاعدت التطورات في الساحة الأوكرانية، في ظل التوجّه الروسي للتدخل العسكري في شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وسط تحذير أمريكي وتحرك دولي بعد أن طلبت كييف الحماية الدولية من أي تدخل عسكري روسي، فيما اعلن مسؤول الامن القومي امس ان اوكرانيا ستستدعي جنود الاحتياط بغية "ضمان أمن وسلامة ووحدة أراضيها"، فيما تندد كييف ب"عدوان مسلح روسي". وقال مسؤول مجلس الامن القومي والدفاع اندريي باروبي في تصريح متلفز إن "وزارة الدفاع ستستدعي جميع مَن تحتاج إليهم القوات المسلحة في هذه اللحظة في سائر أرجاء اوكرانيا". وهذا التدبير سيسمح بحسب قوله: "بضمان أمن ووحدة وسلامة أراضي اوكرانيا" بعد "انتهاك روسيا الاتفاقات الثنائية خاصة فيما يتعلق بأسطول البحر الاسود". من جهته أعلن الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن أمس أن روسيا "تهدد السلم والأمن في أوروبا»، ويجب أن «توقف تحركاتها العسكرية وتهديداتها» بشأن اوكرانيا. وقال راسموسن في تصريح ادلى به قبل اجتماع لسفراء الدول ال28 الاعضاء في الحلف الاطلسي حول الازمة في اوكرانيا: «سنبحث في تبعات (الأزمة) على السلم والامن في أوروبا وعلى العلاقات بين حلف شمال الاطلسي وروسيا». مصالح روسيا من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الامريكي باراك أوباما في محادثة هاتفية امس الاحد إن موسكو تحتفظ بالحق في حماية مصالحها الخاصة ومصالح المتحدثين بالروسية حال اندلاع عنف في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وفقًا لما ذكرته وكالة "ريا نوفوستي" الروسية للانباء. وذكرت الخدمة الصحفية للكرملين أن بوتين كان يرد على مخاوف أوباما التي أعرب عنها بشأن خُطط محتملة روسية لنشر قوات في أوكرانيا بإثارة الاهتمام "للاعمال الاستفزازية والإجرامية للعناصر المتطرفة التي تشجّعها بشكل فعّال السلطات في كييف". وقال بوتين إن هناك تهديدًا حقيقيًا لحياة الكثير من الروس على الأراضي الاوكرانية طبقًا للخدمة الصحفية. وكان مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي قد صوّت السبت لصالح الموافقة على القيام بعملٍ عسكري في أوكرانيا، واردا نفس الدوافع التي ذكرها بوتين حسب نوفوستي. وهناك وجود عسكري روسي واسع بالفعل في جنوبأوكرانيا، بما في ذلك القاعدة البحرية المستأجرة للاسطول الروسي فى البحر الاسود في شبه جزيرة القرم. وذكرت نوفوستي أن هناك تحركاتٍ واسعة للقوات الروسية حول شبه الجزيرة في تحدٍّ للتعليمات التي أصدرتها السلطات الاوكرانية للجنود الروس بالبقاء في أماكنهم. وفي المحادثة الهاتفية التي استمرت 90 دقيقة مع بوتين، أدان أوباما التدخل العسكري الروسي واصفًا إياه بأنه "انتهاك واضح للسيادة الأوكرانية ووحدة أراضيها"، ووصفه بأنه انتهاك للقانون الدولي. وحث الزعيم الامريكي روسيا على تخفيف التوترات بسحب قواتها إلى قواعدها في شبه جزيرة القرم، وبالامتناع عن أي مشاركة في هذا الشأن في أي مكان آخر في أوكرانيا. وفي إيماءة تهدف إلى الاعراب عن مدى غضبه بشأن مسار الاحداث الحالية، قال البيت الابيض إنه سيؤجل مشاركته المقررة في الاجتماعات التحضيرية لقمة مجموعة الثماني المقرر أن تُعقد في يونيو المقبل في مدينة سوتشي جنوبروسيا، التي استضافت الشهر الماضي دورة الالعاب الاولمبية الشتوية. تحذير بالعزلة ووجّهت الولاياتالمتحدة السبت تحذيرًا شديد اللهجة الى روسيا، مطالبة إياها بسحب قواتها المنتشرة في شبه جزيرة القرم الأوكرانية تحت طائلة مواجهة عزلة دولية وانعكاسات سلبية "عميقة" على العلاقات الامريكية - الروسية. واوضح بيان للبيت الابيض ان اوباما أكد لبوتين ان الولاياتالمتحدة "تعترف بالروابط التاريخية والثقافية المتينة التي تجمع بين روسياواوكرانيا، وضرورة حماية حقوق الناطقين بالروسية والاقليات" في هذا البلد. واضاف ان "الرئيس اوباما قال للرئيس بوتين انه اذا كانت لدى روسيا مخاوف حيال طريقة التعامل مع الناطقين بالروسية والاقليات في اوكرانيا فإن الطريقة المثلى لمعالجة هذه المخاوف هي في مخاطبة الحكومة الاوكرانية مباشرة". واذا كان بيان البيت الابيض اتصف بالحزم والشدة فقد أعقبه بيان آخر اكثر حزمًا وشدة صدر عن وزير الخارجية الامريكي جون كيري وتحدث فيه عن "غزو واحتلال" روسي للأراضي الاوكرانية يهدّد "السلم والامن" الإقليميين، وسيكون "تأثيره عميقًا" على العلاقات الامريكية - الروسية. تحرك دبلوماسي وقال كيري في بيانه مساء السبت إنه "ما لم تتخذ روسيا إجراءات فورية وحسية لتخفيف حدة التوتر فإن تأثير ذلك سيكون عميقًا على العلاقات الامريكية - الروسية، وكذلك أيضًا على مكانة روسيا على الساحة الدولية". وأضاف إن "غزو الاراضي الاوكرانية واحتلالها من جانب روسيا الاتحادية" لا يشكّل فقط "انتهاكًا لسيادة اوكرانيا وسلامة أراضيها" وللمواثيق الدولية، وإنما يشكّل ايضًا "تهديدًا للسلم والامن في اوكرانيا والمنطقة". وكشف الوزير الامريكي في بيانه أنه اجرى مؤتمرًا عبر الهاتف مع وزراء خارجية العديد من الدول، الاوروبية بالدرجة الاولى، وذلك بهدف "تنسيق الخطوات التالية"، مضيفًا: "كنا موحدين في تقييمنا (للوضع) وسنعمل معًا بشكل وثيق من أجل دعم اوكرانيا وشعبها في هذه اللحظات التاريخية"، داعيًا مجددًا موسكو الى سحب قواتها. وفي مجلس الامن الدولي أعلنت السفيرة الامريكية في الاممالمتحدة سامنتا باور خلال جلسة طارئة للمجلس حول الوضع في أوكرانيا ان "الوقت حان لكي تنهي روسيا تدخلها" في اوكرانيا. وقالت باور ان "الاجراءات الروسية في اوكرانيا تنتهك السيادة (الأوكرانية) وتهدّد السلم"، مطالبة بإرسال "مراقبين دوليين" الى شبه جزيرة القرم الاوكرانية. واقترحت المندوبة الامريكية ان تتشكّل بعثة المراقبين هذه من افراد ينتمون الى كل من الاممالمتحدة ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا التي تضم في عداد اعضائها كلًا من روسياواوكرانيا. غير ان السفير الروسي في الاممالمتحدة فيتالي تشوركين رفض الاتهامات الاوكرانية، مؤكدًا من جديد ان الحل لهذه الازمة يتمثل في "العودة الى اتفاق 25 فبراير وتشكيل حكومة وحدة وطنية". واشار تشوركين ايضًا الى ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لم يتخذ بعد قرارًا بشأن استخدام القوات المسلحة" في اوكرانيا. تحرك كندي وفي السياق، أعلن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر استدعاء السفير الكندي في موسكو للتشاور بعد اعطاء البرلمان الروسي الضوء الاخضر لعملية عسكرية في اوكرانيا، وحذا حذو واشنطن بالتهديد بمقاطعة قمة مجموعة الثماني "المقرر حاليًا" عقدها في منتجع سوتشي الروسي في يونيو. وقال هاربر في بيان: "ننضم الى حلفائنا في إدانتنا، بأشد عبارات الإدانة، للتدخل العسكري للرئيس (الروسي) فلاديمير بوتين في اوكرانيا"، مؤكدًا ان "هذه الاعمال تشكّل انتهاكًا واضحًا لسيادة اوكرانيا وسلامة اراضيها، وهي ايضًا انتهاك لتعهّدات روسيا بموجب القانون الدولي". وبحسب البيان الكندي، قال هاربر في البيان ان "كندا تعترف بشرعية حكومة اوكرانيا. ويجب احترام سيادة الاراضي الاوكرانية، ويجب ان يكون الشعب الاوكراني حرًا في اختيار مستقبله".وأضاف رئيس الوزراء الكندي: "ندعو الرئيس بوتين لسحب قواته وإعادتها الى قواعدها فورًا، والامتناع عن القيام بالمزيد من الاعمال الاستفزازية والخطرة".وتابع إن "كندا علقت التزامها بالتحضيرات لقمة مجموعة الثماني، المقررة حاليًا في سوتشي، وحاليًا يجري استدعاء السفير الكندي في موسكو للتشاور". واشار هاربر الى ان اوتاوا تدعم الاقتراح الامريكي بتشكيل بعثة مراقبين دوليين من الاممالمتحدة ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا لنشرها فورا في اوكرانيا. وتسعى كندا ايضًا مع حلفاء آخرين لواشنطن، بينهم فرنسا، لجمع مساعدة مالية لأوكرانيا التي تعاني من ازمة اقتصادية حادة. قلق من التدخل الروسي وقال البيت الأبيض مساء السبت إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بحث الأزمة الأوكرانية هاتفيًا مع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ورئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر. واتفق القادة، بحسب البيت الأبيض، على أن سيادة وسلامة أراضي أوكرانيا يجب أن تحترم، وأعربوا عن قلقهم البالغ إزاء التدخل الروسي في أوكرانيا. وتعهّدوا بالعمل على حزمة من المساعدات لمساعدة أوكرانيا في سعيها نحو تحقيق الإصلاحات واستقرار اقتصادها. من جهته، قال وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل لنظيره الروسي مساء السبت إن الانشطة العسكرية الروسية في أوكرانيا تتعارض مع التزامات موسكو بالمعاهدات الدولية. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" في بيان إن هاجل قال أيضًا إن الأنشطة الروسية تتعارض مع موقف موسكو المعلن بأنها ستحترم سيادة وسلامة أراضي أوكرانيا. وأعرب هاجل عن قلقه العميق إزاء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، مشددًا على أنه من دون تغيير على الأرض فإن روسيا "تخاطر بالمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة والعزلة في المجتمع الدولي، وبتصعيد قد يهدّد الأمن الأوروبي والدولي".