لو فتشنا بين جنبي الأشخاص الذين لهم تأثير في مجتمعهم؛ لوجدنا أن لهم جانبا روحيا قد يكون ظاهرا للعيان أو مخفيا. كلهم بلا استثناء لهم طرق وطقوس يمارسونها قد تكون مختلفة ولكن المقصود واحد، وهو البحث عن قوة عليا لها تأثير على الروح والعاطفة الإنسانية. هي كالوقود الذي يحتاجونه ليمشوا في طريقهم وإلى غاياتهم، منهم من عرف الطريق الصحيح، ومنهم من ضله وهو يحسب أنه يحسن صنعا. ولا شك أن ديننا الحنيف يعلم أهمية أن يبقى هذا الاتصال والرابط قويا ومستمرا، ولذلك جعل لنا خمس صلوات في اليوم والليلة؛ ليبقى الجسد مرتبطا بسمو الروح، في محاولة لمعادلة التوازن بين الصراع البدني وبين الارتقاء بالنفس والروح. ولكن دفعني بعض من الفضول أن انظر في طقوس الديانات الأخرى، فوجدت أن البشر لابد لهم من اتصال روحي بشكل من الأشكال، لأننا بكل بساطة مركبون من عنصرين أساسيين الطين والروح. يقول توم ردل (مؤلف كتاب العوامل الخمسة للنجاح): الأغلبية الساحقة من أعظم الناس نجاحا في التاريخ استقوا قوتهم من قوة عليا امنوا بها بكونها أسمى من البشر. وأذكر في هذا المقام أن المرأة الحديدية مارغريت تاتشر لما جاءها خبر بداية حرب الخليج الثانية كانت في سيارتها، فقالت لسائقها على الفور: اذهب بي إلى أقرب كنيسة كي أصلي. ويذكر أيضا أن غاندي كان يتعبد عند شروق الشمس وغروبها مرتين في اليوم الواحدة لا يتخلى عنهما لا في سفر ولا في حضر، بل أنه لما كان مبتعثا إلى لندن لدراسة القانون كان يقطع الحديث في أي مجلس كان ثم ينزل إلى الأرض متربعا مطأطأ رأسه في خشوع، فإذا قضى صلاته عاد إلى حديثه، وهذه رسالة للمبتعثين والمبتعثات أن يعتزوا بصلاتهم في أي زمان ومكان فنحن أولى بذلك منه. بل وصل الأمر بغاندي أنه لما كان في اجتماع مجلس العموم البريطاني، وحضر وقت الصلاة جلس على الأرض أمام الجميع وصلى في مكانه، فلما قضى صلاته قام إلى كرسيه، وتلك رسالة واضحة لأصحاب المناصب السياسية والإدارية والاجتماعية وغيرها من المسميات ألا يتخلوا عن مبادئهم مهما كانوا مشغولين بالأعمال والاجتماعات واللقاءات. أتعلمون ما الذي حصل، لقد احترم العالم غاندي لما كان يحترم مبادئه. ولكننا في المقابل حين نتنازل عن مبادئنا ونحن أهدى منهم سبيلا، فسوف يحتقروننا في داخلهم حتى لو كانوا يضحكون في وجوهنا.