انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التوسع في إنشاء الاستراحات الزراعية بشكل كبير وتأجيرها بأسعار مختفلة يحكمها الموقع والمساحة والرفاهية لتظل في النهاية بمقدرة الحصول عليها لوجود إيجار بأسعار رخيصة وأخرى فارهة بأسعار مرتفعة ، حيث أصبحت ظاهرة النزوح الجماعي لتلك الاستراحات أمرا مألوفا بشكل كبير في محافظة الأحساء ليقضي فيها الشباب والمتزوجون أوقاتا طويلة للاجتماع والتسلية وتبادل الأحاديث والبعد عن صخب المنازل وإزعاج الشوارع،وهربا من الرقابة الأسرية ذلك لأنهم وجدوا في اجتماعهم هذا مع الزملاء والأصدقاء الحل المناسب للاستمتاع بالوقت وكسر الروتين اليومي المسبب للملل بل وأصبحت جزءاً من برنامجهم الأسبوعي إن لم يكن اليومي. وفي ظل ذلك كله طغى الجشع على بعض أصحاب الاستراحات فزادوا أسعار إيجارها أكثر من الضعف.لتصبح بذلك ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى علاج وكأنها هروب من الواقع الاجتماعي أو تمرد من الحياة اليومية . حيث اختلفت الآراء من بين المؤيد لهذه الظاهرة وعللها بالمتعة والبعد عن صخب المدينة وبأنها ظاهرة تسهم في التواصل الاجتماعي بينما آخرون لا يؤيدون هذا التمرد الاجتماعي وخاصة الزوجات مما يسببه هروب الرجال من المنزل ومكوثه لساعات طويلة خارج البيت مما يسبب تزعزعا في جذور التربية والتواصل الأسري بين الأبناء. في البداية أيد الشاب إبراهيم المهاوش : هذه الاستراحات جميلة وفيها شيء من الأفضلية عن الذهاب للمقاهي والتجمعات العامة ، ولكن ولله الحمد الاستراحات هذه وضعت لتريحنا من هذا العناء وتجمعنا بالأصدقاء ونتبادل أطراف الحديث، وذلك مقابل مبلغ زهيد شهرياً أو سنويا. تقوي العلاقات ويقول تركي التركي : إننا نجتمع يوميا مساء، وفي الحقيقة أننا نجدها فرصة لتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء والزملاء بعيداً عن روتين صخب المدينة ورتابة المنازل وكذلك نعتبرها فرصة للتسلية والنزهة أيضاً تقوية العلاقات والصلات مع الزملاء ويقول ناصر الحميدان : نشغل وقت فراغنا داخل هذه الاستراحات التي تجمعنا يوميا حيث نتبادل الأحاديث مع الأصدقاء وذلك لنخرج من كآبة الروتين اليومي ومشاغله ونقضي على الفراغ القاتل خصوصاً بعد الانتهاء من العمل أيضاً نقضي فيها أوقات الراحة من العمل ومشاقه مع العلم أن لدينا منازل ولكن هذه تخصص للمناسبات الرسمية حيث تقام فيها العزائم . من هذا الجانب تحدثت عبير محمد قائلة : تأخر الزوج ونسيانه المواعيد العائلية وعدم اهتمامه بشئون أسرته من المنغصات التي تؤدي إلى قلق وفقدان الزوجة أعصابها، بل إنّ بعض الرجال قد يهرب لعذر قبيح في سهره خارج المنزل بأنه لو قام بضيافة الشباب في المنزل يثقل كاهل زوجته بما تعده للضيوف من أنواع الطعام والشراب ، وربما طال وقت الجلسة إلى ما بعد منتصف الليل ، وترى الأخصائية الاجتماعية ( مريم . م ) أن ظاهرة هروب الشباب والمتزوجين إلى قضاء الأوقات في الاستراحات الزراعية ساهمت في نشوء ظاهرة التمرد الاجتماعي وهو هروب الرجل من المسؤولية وربما كانت عدم رضا الزوجة أو الأسرة عن ممارسة بعض العادات السيئة مثل شرب الدخان أو مشاهدة الفضائيات فمن الطبيعي هروب الرجل أو الشاب إلى مساحات اجتماعية أخرى يلقى فيها راحته دون وجود قيود أو رقابة صارمة .. لذا يجب أن تكون العلاقة الأسرية واقعة في شفافية واضحة حتى نستطيع خلق مساحات الحوار اللطيف لنصل في النهاية إلى رضا الطرفين والوصول إلى واقع اجتماعي ملموس يستطيع فيه الشاب أو الرجل ممارسة حياته اليومية دون أعتناقة هذا التمرد ، أما ظاهرة قلق الزوجة على زوجها والذي يسببه مكوث الزوج في تلك الاسترحات تبدو طبيعية في كل المجتمعات البشرية، وفي المقابل يجب على الزوج أن يستوعب تساؤلاتها وقلقها بهدوء خاصة أنّه تسبب في آلام نفسية للشخص الذي ينتظره لعدم رضاها التام عن هروب زوجها إلى تلك الاستراحات وإذا لم يجد تفهماً لحظياً من الزوجة الغاضبة، فعليه أن يكون صبوراً ويهدئ من روعها. فيترك شريكة عمره نهباً للوساوس والوحشة والأزمات ، أو يتركها للانغماس والدخول في ما لاتحمد عقباه ذلك بالفعل ما يتركه سهر الأزواج في الاستراحات .. ضياع الأبناء ورددت أم عبد العزيز : بيت الشعر( إذا كان رب البيت بالدف ضاربا ...... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص ) مضيفة أن لجوء الآباء إلى الاستراحات يسهم في تراجع تربية الأبناء وضياعهم وتردي أخلاقهم وربما ارتكاب جرم حيث أصبحت الاستراحات تعج ليلا ونهار بالآباء الغافلين عن أبنائهم ولا يعلمون عنهم شيئاً وتجدهم في أعمالهم يأتون إلى المنزل ساعات قليلة وما أن تغيب الشمس إلا وهم غائبون معها عن المنزل، ولم يبق فيه إلا الأم المسكينة والأبناء المراهقون الذين أتعبوها ، أما الأب المسؤول الأول عن الأبناء فلا تسأل عن حاله تجده خلف شاشات الفضائيات يتابع كل ما هو جديد عبرها ويتبادل الآراء والأفكار مع (الشيشة والبالوت) ، ويناقش أي موضوع ينقل على الهواء مباشرة، ولم يعلم بأن أبناءه المساكين راحوا في مهاوي الردى، وجميعهم خارج المنزل يتسكعون بدون مسؤول يسأل عنهم، وعندما يأتي وقت الحصاد يأتون إليه وهم يجرون أذيال الخيبة، ناهيك عن الأمور الأخرى التي اكتسبوها من أصدقاء الشوارع والأصدقاء الخاصين الذين هم على غرار أصدقاء الوالد العزيز، (الراعي الذي ضيع الرعية)، فتجدهم وقعوا في التدخين واكتسبوا عادات سلوكية خاطئة كل هذا من أسباب غياب الرقيب هؤلاء بالنسبة لمن أعمارهم ما زالت دون السادسة عشرة. وقد ساهمت الاستراحات التي اختارت المزارع بما تنعم به من خضرة وماء وجو لطيف، موقعاً لها، في انتشار هذه الظاهرة التي تكاد تقضي على البقية الباقية من أرض الأحساء الزراعية ،وقد بدأت هذه الاستراحات الانتشار بشكل سريع وعشوائي في السنوات القليلة الماضية، محاصرة المساحات الخضراء التي تمثل المتنفس الوحيد في حالة التلوث التي تعيشها المدن، بالإضافة إلى ما تسببه من استنزاف للمياه الجوفية خاصة أن الكثير من أصحاب هذه الاستراحات قد بنوها بغرض استثماري، مما جعلهم يضعون الكثير من الإغراءات لجذب المستأجرين، متمثلة في مسابح وعيون خاصة لضخ المياه.