قدم الفنان على الصفار في معرضه الأخير بالرياض بعنوان (مائيات) أعماله في سياق مرجعية تاريحية وثيقة الصلة بذاكرة المكان, في محاولة لاستدعاء الزمن الماضي ليكون ماثلا وفاعلا في الحاضر, ومؤكدا على ارتباط عميق بتاريخ المساحة الجغرافية التي ينتمي بيئيا وحضاريا اليها, بما تشتمل عليه من زخارف ونقوش متصلة بفضاء الفنون الاسلامية التي تبدو فيها الحوائط والنوافذ والابواب كما لو كانت مشغولات يدوية على قماش قابل للتطريز, ولعل القدرات الفنية التي تبرزها مائيات علي الصفار, تعد شاهدا على اختيار صعب سلكه الفنان في المعالجة بهذه الخامة اللونية القابلة للتمدد والتوسع والتحول من بقع لونية صغيرة الى بقع قد يفلت زمامها اذا لم يكن الفنان قادرا على استخدام ادواته, وتوظيف الحركة اللونية بيديه. لقد تعامل الصفار مع وحدات التكوين المعماري على أنها مشروع متصل بذاته الانسانية أولا وثانيا لأنه فنان صاحب مشروع على مستوى الفكرة, ومن خلال اعماله التي اتخذت صفة المكون المعماري يبتدىء ولعله بجوهر الفنون الاسلامية, فهو يجيد تحويل الحالة البصرية الى شاهد تاريخي مكتمل الابعاد وكأنه مجسم يستند الى جدار, ويتضح ذلك جليا من حكمة النوافذ في لوحاته, فالنافذة عادة تكون بؤرة الجذب البصري عندما ننظر الى اي جدار, أو اي مبنى, وقد ادرك الفنان ذلك, فأعطى النوافذ في اعماله ذلك الحس البصري الجاذب, حيث تكون النافذة بأبعادها الثلاثية متجسدة في المشهد لتحسب النظرة التلقائية الى المرور منها, والتركيز عليها قبل أي شيء يحوطها حتى لو كانت زخارف غاية في الدقة والبهاء اللوني المنمق , والبناء الهندسي المشغول بعناية. ومع أن الفنان شديد الاهتمام بكل التفاصيل, مهما كانت صغيرة, والتركيز على توفير عنصر العلاقة المنسجمة بين كافة عناصر اللوحة, الا ان المدلول الاقوى ينطلق من (النافذة) بوصفها (طاقة) يمر منها الضوء ليبدد العتمة, ويمر منها الهواء ليجدد أوكسجين الحياة, انها المحرك الاساسي في اللوحة, تربط الخارج بالداخل, تؤكد ارتباط المكان الصغير(المنزل) بالمكان الاكبر (الشارع) أو الحي أو المدينة, تحدد طبيعة العلاقة الاجتماعية بين الناس في داخل ذلك المنزل, والناس خارجه, والامر ليس منوطا بالنافدة وحدها بل ينسحب ايضا على الابواب التي تشترك مع النوافذ في خاصية الحركة. قد يكون اشتغال اي فنان على جزئية معينة لفترة طويلة, أوباعمال كثيرة, مثارا لدهشة السؤال, او شغفا لطرح علامات الاستفهام, وهذا له ما يبرره بشكل ايجابي بمنطق التلقي, او التراسل بين الفنان كمرسل والمتلقي كمستقبل, لكن لابد هنا من الاشارة الى خاصية مهمة, وهي أن وضوح الرؤية يزيل ما إلتبس من استفهامات السؤال المتحمل, والفنان علي الصفار يؤسس فكرته المضمونية على مرجعية تاريخية, وعلى مكونات يمكن استدعاؤها من الذاكرة, ومن شواهد لم يزل لها حضورها البصري في تفاصيل المكان, وذاكرته الانية الحاضرة وهو بذلك ينسج خيطا شفافا يصل الماضي بالحاضر زمنيا, والتراثي بالجديد مكانيا, وفي كل الاحوال يعتمد على معطيات الذاكرة, والذاكرة هنا ليست ذاكرة مكان خاو من الناس, فمع أن الشخوص ليس لهم ذلك الحضور البصري الواضح في المكان, الا ان المكان نفسه يختزن شخوصه فيه, ويتحدث عنهم ولو بالايماء, حيث لا ذاكرة للمكان بدون بشر، هم في الاساس من صنعوا كل تفصيله صغيرة منه أو فيه.