(المسلمون الأمريكان ليس لهم ذنب فيما تزجهم فيه حكومتهم، وبالتالي فإن أي حملة من خطيب في مسجد ضد الأمريكان محمولة بالدعوات ضدهم يرون أنها تلحق ضررا فادحا بهم، فالدعاء على كل أمريكي بالموت له ولزوجته ولأطفاله أمر غير مستحب، فأولئك المسلمون لا يؤيدون السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية فما ذنبهم؟). أبو عبد الرحمن أمريكي مسلم يقول انه يربي أبناءه عبد الرحمن والحسن وفاطمة تربية إسلامية. يقابلك ببشاشة كلما جلست وتحدثت معه ويشعرك بالاخوة القوية التي تربطك به ويريد منك أن تقابله بالمثل. في ذلك اليوم كان يتحدث بنبرة حزن وعتب على ما يسمعه ويراه من بعض خطباء المساجد واخرج لي من درج مكتبه مصحفا وسجادة ليدلل لي على انه ليس مسلما فقط بل يحافظ على الصلاة ويقرأ القرآن كثيرا. كان يقول لماذا خطيب الجمعة يدعو على كل أمريكي بالموت وأن ييتم أطفالهم ويرمل نساءهم ؟! أنا وأولادي الحسن وفاطمة مسلمون!. لماذا يدعو عليهم بالموت ويريد أن يحرموني منهم؟ أنا لست عربيا بل أمريكيا اصلي وأسلمت منذ زمن اقتناعا بأن الإسلام هو الطريق الصحيح وأن الإنسان بلا إسلام كائن حيران. ولذا اخترته عن طواعية واقتناع. وكان يصيح في وجهي مستنكرا تلك الفعلة من خطيب الجمعة الذي لم يحسن التعامل وكان خطابه عاما موجها ضد السياسة الأمريكية أحس منه أبو عبد الرحمن انه موجه له. أبو عبد الرحمن الأمريكي المسلم كان يتحدث بضيق مسترسلا في كلامه معبرا عن صميم ألمه وحزنه وتعجبه أيضا من تلك الدعوات التي تنطلق ويحجم لسانه عن التأمين عليها خوفا من أن تقع على رأسه فهو أمريكي والخطيب يدعو أن يقتل الله كل أمريكي وييتم أطفاله ويرمل نساءه ويقتله شر قتلة. وأبو عبد الرحمن يقول انه محتاج إلى أطفاله ويحب زوجته وهم سنده في الحياة وهو يعلم أن الدعاء عبادة لله ويخاف أن تقع عليه تلك الدعوات فيتحقق ما يخشاه. وهو لا يريد أن يطوله غضب ذلك الخطيب على أمريكا فهو لا ذنب له في كل ما يجري على الساحة العالمية وهو غير راض البتة عن سياسة بلده الخارجية وتعاملها مع المسلمين وتحيزها لليهود ويستنكر بشدة غزو العراق ويرى أنه خطيئة كبرى لأمريكا لن تغتفر ولكن هو لا حول له ولا قوة ولا يستطيع أن يغير من الأمر شيئا. كان يتمنى أن يتفهم الخطيب شعوره هذا وان يعي أن من الأمريكان مسلمين هم إخوان لهذا الخطيب وان كثيرا منهم لا يؤيدون بوش في سياسته بل كان يقول انه مع كل ما كان يقوله الخطيب عن أمريكا وسياستها الخاطئة. وهذه المسألة هي حالة من الغليان الشعبي وعدم الرضا عن السياسة الأمريكية في المنطقة والعالم عبر عنها هذا الخطيب بتلك العبارات. ولا ادري لماذا لا ندعو لهم بالهداية والصلاح بدلا من تمنى موتهم وابادتهم وتشريد أطفالهم. الدعاء على المحاربين لا بأس به ولكن التعميم في الدعاء الذي يشمل المعتدي والمسالم يجلب مساوئ كثيرة ويستفز من لا ذنب له بالقضية فكثير من الأمريكان وغيرهم على اختلاف دياناتهم لا يؤيدون سياسات حكومتهم وكثيرة هي المظاهرات التي خرجت تندد بأفعالها وسياساتها الخارجية فما بالك بأمريكي مسلم ويعيش في السعودية ويعتبر نفسه في أمان وأنه حول إخوانه المسلمين في بلد الحرمين والرسالة المحمدية ويجد من يدعو عليه ويتمنى التشريد لأهله. قد لا يفقه هذا الأمريكي مسألة أن الخطباء يقصدون المحاربين ولكن الذي يسمعه هو قول ( اللهم عليك بالأمريكان اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا) وهو أمريكي إذا هو في دائرة المراد قتلهم بددا (وهي دائرة للأسف تتسع باتساع الجهل وقلة العلم عند الخطباء وغيرهم وتضيق بضيق الجهل واتساع العلم). هكذا هو يحسبها ببساطة حاولت أن اشرح له بأن ما فعله الخطيب أمر خاطئ وهو اجتهاد منه ولكن يظل في بال أبى عبد الرحمن علامات استفهام كثيرة تحتاج إلى إجابات. علامات استفهام أوجدها عدم الفقه في التعامل مع هؤلاء واخذ الأمور بعجلة وعاطفة دون وعي وحكمة من بعض خطباء المساجد. ولقد وقعت على كلام نفيس لأحد العلماء حول قضية الدعاء على الكفار وانقله هنا حتى تتضح الصورة ويتجلى الحق ونحسن التصرف في مثل هذه المواقع الحساسة وخاصة في أيامنا هذه . يقول الشيخ: (ومن المعلوم أن في كثير من بلاد المسلمين توجد اقليات من النصارى - وربما من اليهود- وهم مواطنون يشاركون المسلمين في المواطنة وليس من اللائق أن ندعو بدعوة تشمل هؤلاء بالهلاك والدمار. إنما اللائق والمناسب أن ندعو على اليهود الغاصبين المعتدين وأن ندعو على الصليبيين الحاقدين الظالمين, لا على كل اليهود والنصارى.) وهذا مع النصارى فما بالك وأبو عبد الرحمن أمريكي مسلم وليس نصرانيا!