من وسط الحلبة الرملية يخطو ثمانية رجال خطوات ثابتة لتضييق المسافة التي لا تزيد عن خمسة أمتار بينهم وبين الثور الذي يزن نصف طن الذي يضرب الأرض بظلفه ويرغي الزبد من فمه. وفي الملعب الذي يحتشد فيه ثلاثة آلاف كاليفورني من اصل برتغالي يراقب ال (فوركادوس)، او مصارعو الثيران، بصمت وقلق، متوقعين بشوق المشهد الذي سيأتي. (اوي تويرو، تويرو).. ينادي جونيور ماتشادو وهو يدور ضاربا الارض بقدميه عارضا للثور خصره الذي يطوقه بضيق زنار طويل احمر تحت معطفه الاحمر القاني. وبحركة قوية من رأسه الثقيل يبدأ الثور هجومه. ويشن ماتشادو هجومه المضاد ويمسك الثور من قرنيه. قد يمضي اعضاء (فريق ترلوك الانتحاري) في سان خوان فالي أيامهم كمزارعي أبقار وعمال بناء وسائقي شاحنات. ولكنهم مرة او مرتين في الاسبوع بين شهري نيسان وتشرين الاول يمارسون تقليدا برتغاليا قديما دارجا منذ قرون، وهو الامساك بالثيران من القرون. بخلاف مصارعة الثيران على الطريقة الاسبانية التي تقضي بطعن عضلات عنق الثور بالحراب حتى تخور قواه، المصارعة البرتغالية لا تهرق دم الثور. وبدلا من ذبح الثور بعد مصارعته ينفذ الفوركادوس قتلا رمزيا بتجميد حركة الحيوان المهاجم بأيديهم. يقول خوسيه مارتينس، وهو فوركادو في السابعة والاربعين: احيانا نفوز واحيانا يفوز الثور. مارتنيس شأن معظم البرتغاليين في كاليفورنيا البالغ عددهم 331 ألفا، يأتي من جزر الازور البركانية في المحيط الاطلسي. مارتينس الذي يعمل في مزرعة للالبان يصارع الثيران منذ 27 سنة، وخاصة منذ وصوله الى كاليفورنيا عندما كان شابا في التاسعة عشرة من عمره. وهو يفتخر انه انتصر على 900 ثور، 50 منها في السنة الماضية عندما اعتبر فريقه افضل فرق المصارعة. الى جانب الاعياد تشكل مصارعة الثيران مرتكزا حيا للجالية البرتغالية في كاليفورنيا. فاللحوم وانواع السجق التي تباع بالمناسبة هي اطايب برتغالية. واذا حضرت حفلة مصارعة ما فالجمهور يفترض انك واحد منهم ويتكلمون معك عن الحفلة باللغة البرتغالية. ومع ذلك يخشى مارتينس على مستقبل هذه الرياضة في كاليفورنيا، قائلا: (هذه أمريكا والآباء يقلقون على ابنائهم عندما يقومون بأعمال خطرة كهذه). ولكن داخل الجالية البرتغالية المتماسكة التي تعيش في مناطق صغيرة معروفة بمزارع ألبانها، مثل ستيفنسن وغوستي ولاتون، يتم توارث التقاليد القديمة أبا عن جد، والشبان يتحمسون لاخذ مكانهم تحت انوار حلبة المصارعة. ويقول كارلوس فييرا، عامل البناء الذي له خبرة بالمصارعة لا تزيد على ثلاث سنوات، ويحاول ان يتقدم الى مقدمة الفريق ليصبح المصارع الاول فيه: (انهم يخافون علي، ولكنني اعتقد ان والدي فخوران جدا في قرارة نفسهما). ومع انه جرى قص اطراف قرون الثيران وتغليفها بالجلد، فالاصابات تقع. مارتنيس نفسه اصيب بكسر في ركبته وأنفه. ومؤخرا، كسر احد المصارعين ساقه في الحلبة، مثل القشة الى قطعتين، كما يقول مارتينس. الحفلة التي اقيمت مؤخرا كانت مناسبة لاظهار الرياضة. فعندما يمسك ماتشادو الثور من قرنيه، يرفعه الثور عن الارض. ويقفز عضو من الفريق على ظهر ماتشادو، فيما ينهال الآخرون للامساك بالقرنين. ولكن الثور يتمكن من التخلص من مهاجميه ويقع احدهم بين قوائم الحيوان الثائر. وعلى الفور تبدأ الفرقة الموسيقية النحاسية المؤلفة من 50 شخصا بعزف الحان الباسو دوبل التي تعزف تقليديا في حفلات مصارعة الثيران. ويبدأ صراخ الجمهور الذي يقفز من المقاعد باللغة البرتغالية، ويخلص الفوركادو نفسه من بين قوائم الثور ويقفز فوق السور الخشبي المحيط بالحلبة.ويهاجم الثور من جديد وينطح ماتشادو في بطنه قبل ان يرفعه عن الارض. ويقفز الفوركادو الآخرون الى اماكنهم - احدهم يمسك بماتشادو ويتمسك اثنان آخران بقرني الثور، ويدفع الثور لوقفه عند حده فيما يشده مارتينس من ذيله. ويعلو صراخ الجمهور الذي يقفز واقفا. لقد كانت مصارعة رائعة. هياجه كان اكبر من هياج الثور كما تقول اماندا ماتشادو (17 سنة) عن والدها مانويل ماتشادو احد مؤسسي فريق ترلوك الانتحاري لمصارعة الثيران على الطريقة البرتغالية.