هل خالطتم أحدا من البدو؟ أنا فعلت، وللحق لم أجد أناسا أشد حرصا على إكرام الضيف من البدو، حد أن ما يذبح إكراما له لو انتقص قطعة من لسان أو رأس قيل له "لزمك ذبيحة ثانية". سيدة فاضلة مررت لي ذات مجلس امتعاضها من هذا المثل الدارج عن عزيمة البدو وهم أكرم الناس. يطرح هذا المثل في مواقف تدل على عدم الالتزام بالدعوة لوليمة، يقابله مثل مصري أعتبره الأكثر صدقا (عزومة مراكبية) أي من يركبون في مراكب نهر النيل ويمرون بمحاذاة الجالسين على ضفافه، فيوجهون دعوة مستحيلة لهم بأن يتفضلوا معهم للقارب. لكن لماذا وُجد هذا المثل الكاذب وبقي بيننا رغم عدم مصداقيته؟ حقيقة هذا المثل نحتاج لأن نبحث عمن أطلقه، ولأن الأمثال العصرية لا يعلم إلا الله مطلقها كما هي نكت رسائل الجوال، يبقى لنا أن نتساءل لماذا أُطلق؟. أتصور أن سبب إطلاقه ما هو إلا إسقاطات من بخلاء راعهم ما للبدوي من قدرة نفسية عالية على وهب كل ما لديه إكراما لضيوفه، فالبداوة بقيت كأصول ومكارم أخلاق، حيث إختفت معالمها المكانية التي تميزت بها، فأصبح البدو متكيفين ومنسجمين تماما في مناحي التطور الحضاري حتى لم تعد تميز البدوي إلا من لقبه، ونهج اعتزازه بهذا اللقب. هذه الإسقاطات تماثل تماما تلك الطرائف والنكت التي يطلقها الخبثاء على الأنقياء سخرية من طيبتهم المتناهية. إنها إسقاطات تؤرخ لدافع المثل لا لموضوع المثل، وإلا لما بقينا نردد ببلاهة عن الظلمة والمستبدين "حكم قراقوش"، والحقيقة التاريخية تصف قراقوش ضمن الحكام المصريين المتسمين بالعدل وأكثرهم حزما في تطبيق مبادئ الإسلام، وما أطلق عليه هذا المثل الا الصليبيون الذين تضرروا من تطبيقه حكم الإسلام، فأرادوا تشويه سمعته. أبعد هذا، هل تغامرون بدخول عالم الحمقى والأغبياء لترددوا مثلا تهاوت مصداقيته عن أكرم الناس في ولائمهم (البدو)؟ أنصحكم ألا تفعلوا،وأنصحكم ألا تترددوا في حضور عزائمهم، فمن يفوت عليه دعوة أحد من البدو، يفوت عليه جلسة نقية عفوية تغسل همومه من زيف الدنيا وأهلها.