عزيزي رئيس التحرير يعيش بيننا اناس يوحي مظهرهم الخارجي بالعقل والرشاد ولكنهم في الواقع مريضون نفسيا ولا عيب في ان يكونوا كذلك. فالمرض النفسي هو مرض شأنه في ذلك شأن المرض العضوي ولكن الفرق بينهما يكمن في ان المرض العضوي اذا لم يكن واضحا وجليا بالنسبة للناس فهو على الاقل واضح ومعرف بالنسبة للمصاب به وذلك من خلال الالم الذي يشعر به المريض (باستثناء الاورام الخبيثة طبعا) والتي تكون موجودة ومتغلغلة في جسم الانسان ولا يعلم بوجودها الا بعد حين. اما بالنسبة للمرض النفسي الذي عادة ما يكون على شكل عقد ورواسب واضطرابات ونوبات نفسية وتصرفات غريبة تظهر بين الحين والآخر, يؤذي المصاب بها نفسه والناس المحيطين به. وقد يكون المصاب بها لا يعلم بانه مريض نفسي او لا يريد ان يعترف بذلك, وفي اغلب الاحيان يلاحظ المحيطون بالمريض النفسي ذلك اكثر من المريض نفسه. ومثل هؤلاء كثيرون في مجتمعنا فيمكنك رؤيتهم على مدار ساعات اليوم ابتداء من زملاء العمل ومرورا بموظفي الوزارات والمؤسسات التي يعاني الكثير من موظفيها امراضا نفسية مختلفة مثل جنون العظمة, او عقدة النقص, او التكبر, او الغرور, او المزاجية, او اللا مبالاة, او العدوان, او الهستيريا, او التبرير.. الخ, وانتهاء بالمعارف والاهل والاصدقاء, فمنهم من عنده انفصام في الشخصية (وما اكثرهم) ومنهم من يعاني القلق, او الاكتئاب, او الاحباط, او التوتر, او الوسواس القهري, او الهوس, او الرهاب الاجتماعي, اوالكبت مثلا. فمن المؤسف حقا ان الكثير من افراد المجتمع ومنهم بعض من يحسب على طبقة المتعلمين والمثقفين مازالوا يعتبرون الشخص الذي يذهب لرؤية الطبيب النفسي شخصا مجنونا وهذا كلام خاطئ جملة وتفصيلا. فهناك الكثير من هذه الامراض التي يمكن معالجتها بسهولة لو اقتنع الشخص المصاب بها بانه فعلا مريض نفسيا. فكما ذكرت قبل قليل ان تبعات هذه الامراض والافرازات النفسية لا تؤثر على المريض نفسه فحسب بل على الناس المحيطين به ايضا. وبطبيعة الحال فان هناك امراضا ومشاكل نفسية ظاهرة ولا يمكن اخفاؤها عن الناس مثل الجنون ونوبات الصرع, فهذه الامراض وان تعذر في كثير من الاحيان معالجتها بشكل نهائي فهي على الاقل معروفة لدى الناس المحيطين بالمريض ويتعاملون معه على هذا الاساس, ولكن الاشد والادهى تلك الامراض الخفية داخل نفس الانسان والتي تحتاج الى الكثير من الجهد والوعي من قبل الناس المحيطين بالمرضى المصابين بمثل هذه الامراض الخفية التي تشبه الاشباح. ولا تعالج جميع الامراض النفسية عن طريق الادوية (الكيميائية) او عن طريق الجلسات الكهربائية فقط, بل ان هناك الكثير من الامراض النفسية التي يمكن معالجتها (سلوكيا) وهذا الاسلوب في المعالجة يتميز بانه يركز على السلوك وليس على المشاعر, او الفهم او الاستبصار. ان السلوك يمكن تعديله مباشرة باستخدام مبادئ وعندما يتم تعديل سلوك الفرد نحو الافضل فان الآخرين يتعاملون معه بشكل اكثر ايجابية الامر الذي يولد تعديلات اخرى في سلوكه وهذا هو المطلوب. خلاصة الكلام انه في ظل التغيرات السريعة التي تحدث من حولنا ونتيجة لنمط الحياة التي نعيشها الآن فقد باتت هذه الامراض كما يطلقون عليها (امراض العصر) هي الامراض الاكثر شيوعا وانتشارا. وعليه فانه لابد من توعية افراد مجتمعنا بمختلف اطيافه الاجتماعية باسباب وتبعات وعلاج تلك الامراض وطرق الوقاية منها وذلك عبر وسائل الاعلام المختلفة, وانا من خلال هذا المنبر اوجه دعوة مباشرة لجريدتنا المحبوبة (جريدة اليوم) لاخذ زمام المبادرة في ذلك, وكيف لا وهي التي طالما عودتنا على ملامسة هموم الناس ومشاكلهم وذلك من خلال استحداث صفحات متخصصة مثل الصفحة (الطبية) وصفحة (عزيزي رئيس التحرير) وصفحة (اليوم والناس). @@ رائد عبدالعزيز القديحي