ينتشر الفقراء في كل مكان في أرقى أحياء تناناريف عاصمة مدغشقر الذي يضم الفنادق الفاخرة والوزارات. انهم يرقدون في الشوارع الانيقة المرصوفة بالحجارة ومداخل المتاجر. ويجوب أطفال في أسمال بالية الحارات للتسول. وتحمل أمهات مراهقات أطفالا رضع ويسرن حافيات مترجيات المارة من المتأنقين شراء بضاعتهن من البطاقات البريدية أو الزهور او الحلوى. وتقول امرأة في حين يزيحها سائح نفد صبره بعيدا عنه (سيدي اذا لم تشتر مني شيئا لن يأكل طفلي). وأمام مطعم فرنسي يقدم كبد الاوز /الفواجرا/ وينام شحاذون مسنون في الشارع على أمل الحصول على وجبة. وعلى مسافة قصيرة سيرا على الاقدام من هذا المكان عبر حارة متربة يوجد ايزوتر أحد الاحياء الفقرة التي ظهرت حديثا في المدينة حيث يكون سعداء الحظ من سكانه هم من يجدون ما يسد رمقهم. ومع الارتفاع المطرد في الاسعار تزداد صعوبة تحدي القدرة على البقاء والذي يواجه ثلاثة أرباع سكان مدغشقر هذه الجزيرة الضخمة في المحيط الهاديء الذين يعيشون على أقل من دولار في اليوم. فارتفاع تكاليف الحياة زاد من معاناة الكثيرين في هذا البلد الفقير في الاصل حيث ترتفع أسعار حتى المواد الغذائية الاساسية مثل الارز. ويقول المحللون ان ارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية والذي رافقه اعصار دمر المحاصيل المحلية والتصديرية وانهيار في سعر عملة البلاد /الفرنك المالاجاشي/ أدى الى ارتفاع معدل التضخم الى ما بين خمسة وستة بالمئة في الاشهر الستة حتى يونيو . وشرد اعصارا ايليتا وجافيلو اللذان أصابا البلاد في شهري يناير ومارس نحو 300 ألف من السكان ودمر حقول الارز. ودمرت كذلك المحاصيل التصديرية مثل الكاكاو والبن والفانيليا مما أضر باقتصاد البلاد المعتمد على الصادرات الزراعية. وفي أسواق تناناريف المتربة بلغ سعر كيلو الارز الوجبة الاساسية للغالبية العظمى من سكان البلاد 3500 فرنك بارتفاع 75 بالمئة عن مستواه في يناير. وأثار ارتفاع الاسعار العديد من المظاهرات الضخمة. وقالت شارلين رازواريمالالا التي تكسب قوت يومها من البحث في صناديق القمامة عما يمكنها بيعه (انها تزيد فعليا من معاناتنا...دخلنا لا يزيد لكن منذ الاعصار كل شيء تضاعف ثمنه.) وتعول رازواريمالالا أربعة أطفال وزوجها العاطل وجميعهم يعيشون في كوخ سقفه من الصفيح. وتساءلت قائلة (كنا نكسب ما يكفينا لكن الان مجرد الحصول على طبق من الارز كل يوم أصبح صعبا. لكن يتعين علينا مواجهة الامر. فماذا نفعل غير ذلك). ويقول المحللون ان أزمة التضخم في مدغشقر لن تبدأ في الانحسار حتى تبلغ مستويات أسوأ من ذلك. ويقول جوزيف راكوتومانجا مدير قسم البحوث بالبنك المركزي (ارتفاعات الاسعار لن تتوقف على الفور... لكن على الاقل استقر سعر الفرنك بعد أن تعرض لضغوط. وكان ذلك يمثل جزءا كبيرا من المشكلة. والان ستتم السيطرة على التضخم بمرور الوقت). ويقول الاقتصاديون ان معدلات النمو في مدغشقر منتعشة رغم الصدمات التضخمية ويقدر البنك المركزي أن ينمو اجمالي الناتج المحلي هذا العام بمعدل 3ر5 بالمئة. لكنهم قالوا ان الاكثر فقرا من سكان الجزيرة لم يبدأوا بعد في الاستفادة من النمو. وأبلغ اقتصادي بارز رويترز (المشكلة التي يواجهونها الان هي ترجمة هذا النمو الى خفض لمستويات الفقر). وسيلافو راندريانجافي الذي يطرق المعادن الخردة لصناعة أدوات منزلية بسيطة واحد من العديد من سكان حي ايزوتر الفقير في العاصمة الذين لم يروا بعد أي مزايا للنمو لكنه يقول انه محظوظ. فعادة ما يعود رانديانجافي /23 عاما/ الى منزله وفي جيبه نحو 20ر1 دولار بعد أن يمضي ساعات في الشمس بجوار الباعة الجائلين الذين يجاهدون لبيع الفاكهة والخضروات قبل أن تتلف. وقال (عملي يكفي لشراء الارز لزوجتي وأطفالي في أغلب الايام... ليس كل من يسكن هنا يمكنه أن يقول ذلك). وبالنسبة لبيير وهو سائق سيارة أجرة /43 عاما/ فان أهم ما يشغله هو ارتفاع أسعار البنزين والارز. ويقول (سعر البنزين بلغ تسعة الاف فرنك عندما كان ستة الاف في يناير زدنا نحن سائقي سيارات الاجرة أجرتنا ... لكن الان من يمكنه أن يدفع أكثر).