يوم أن ترضى لبقعة أن تكون لك وطنا سواء كان مولدك وترعرك بها أم أنك قد انتقلت اليها وارتأيت الاقامة بها ولو الى حين "موطنا مؤقتا" ، فإنك مدعو بل هو من الواجب عليك أن تبذل قصارى جهدك في رفعة مكانة ذلك المكان الوطن بالمساهمة الجادة في اعماره عن طريق العمل الدؤوب في المهمة المنوطة بك أولا مما تتكسب منه قوت يومك وثانيا في المساهمة الفاعلة في مناشط الحياة الاجتماعية التي ترى في امكانك القيام بها بما يتناسب وطاقتك وقدراتك خدمة للناس وثالثا بمعاملة الجميع باحترام وتنزيل فاضل الأخلاق على سلوكياتك معهم . يوم أن تقوم بذلك فقد حظيت بحق بصفة المواطن الصالح . أما شكليات التعبير عن الحب والتي تختلف باختلاف الشعوب والأمم بل وحتى بين الأفراد في مجتمع واحد ، فهي لاتمثل معيارا حقيقيا يمكن الوثوق به لمعرفة مدى الولاء للوطن ومحبته . فمثلا ذلك الرياضي الأجنبي الذي ما إن يلقى على مسامعه في نهاية أي احتفال رياضي سلام بلاده الوطني حتى تراه وقد وضع يده على صدره وراح يردد مع كلمات النشيد المصاحب ، هل يمكن اعتبار هذا الرجل بحق مواطنا في بلده صالحا لمجرد تلك الطريقة من التعبير، وهل يمكن أن يقارن هذا بشخص يملأ بلده زرعا وانتاجا وينشر في ربوعها حبا وإخاء. إن من الغباء بمكان فرض آلية للتعبير محددة على جميع الخلائق في شتى البقاع حيث طرق التعبير عن فرح أو ترح أو مناسبة قومية تختلف باختلاف الأمم كما أسلفنا لأنها ببساطة أعراف مجتمع لا دخل فيها للتقدم أو التخلف المادي . على أننا لايمكن بحال أن نغفل جانب الدين أو الشعائر أيا كانت في تهذيب التعبير ودفعه باتجاه معين ، وهو مما لايعاب عليه مجتمع لأن الأصل في الناس التدين وميلهم اليه بالفطرة . أعجب - واعجبوا معي أيها الأكارم - من شخص يفترض أن له مكانة ينبغي مراعاتها عند الحديث في أي أمر مسيس بأعراف المجتمع مما لايتناقض ودين وخلق ونبل ، استشاط غضبا عندما رأى بعض الحاضرين لم يصفق عند انتهائه من كلمته ، فأخذ يلوم أولئك ويلقنهم فنون الذوق ناعيا تصرفهم بالجهل !! . وإلى مثل هذا أقول : هذا أمر ليس بالكبير حتى يلتفت اليه ! ، بل إنه كان من الأولى على من لم يتفق معك في رؤيتك أن يبين لك أن الأصل هو مافعلوه ، وأما سكوتهم عن قولك وعمن فعل الأمر الذي تطلبه فهو أكبر دليل على نضجهم الفكري والديني حيث لم يعملوا (من الحبة قبة)