منذ سنوات طويلة واصابع الاتهام مرفوعة باتجاه المؤسسات الثقافية المتمثلة في الاندية الادبية، وجمعية الثقافة والفنون بفروعها المختلفة وهذا يعني ان الحديث حول (واقعها) سيثير فضول الكثيرين في التعرف على الاسباب والمعوقات لذلك كانت بداية الجلسة التي طرحت موضوع (واقع المؤسسات الثقافية ومستقبلها) ورقة لرئيس نادي جدة الادبي عبدالفتاح ابومدين، فقدم نبذة تاريخية عن الاندية الادبية، ثم دخل في صلب الموضوع، وهو الجانب الذي يمكن معه صياغة احلام للمستقبل، حيث لا مجال ولا ضرورة للحديث عن واقعها، والاهم ان يكون هناك تفعيل للتصورات التي تجعل لها مستقبلا، ومن هنا كانت (العقبات التي تواجه الاندية) هي الجزئية الثانية من حديث عبدالفتاح ابومدين، حيث قال: اذا قلت انها كثيرة - اي العقبات - فاني لا اعدو واقعيا، واذا قلت انها معدودة فاني لا ابعد عن الحقيقة. وقد جمع ابومدين المعوقات في الدعم المادي وما يتصل به من ايجارات، ومعاشات، وتكلفة محاضرات، اضافة الى ايجاد مقرات للاندية، التي لم يتحقق لها ذلك وتوفير تكاليف البريد، واجور شحن مطبوعات الاندية الى خارج البلاد، مشيرا الى انه بالنسبة للداخل فان اجور الشحن البري قليلة، كما تحدث ابومدين عن عزوف المثقفين السعوديين عن المشاركة في النشاط الذي تقيمه الاندية، وغياب التواصل بين الاندية والمدارس والجامعات والمثقفين، وبعد الجامعات والكليات عن الاندية، وعدم المشاركة والتفاعل معها، حتى اصبحت معزولة عنها، يضاف الى كل ذلك غياب التخطيط القصير والطويل الامد. مقترحات وحلول اما عن تصوره الخاص لحل المشاكل وازالة العقبات التي تواجهها الاندية والمقترحات التي يراها ضرورية لتفعيل دورها طالب ابومدين بزيادة الدعم المادي لتغطية احتياجات الاندية من مرتبات ومكافآت كتاب الدوريات ومؤلفاتهم التي تطبعها الاندية، ورصد تكلفة المحاضرات والطباعة والصيانة للمباني والمعدات، وتقويم ما قدمته الاندية منذ نشأتها من خلال لجنة تعنى بالثقافة قيمة ومعنى، ثم يتم في نهاية كل عام ان تقوم لجنة مختصة بالثقافة في وزارة الثقافة والاعلام بالطواف على الاندية للوقوف على ما انتجت في عامها المنقضي واقترح ابومدين فيما يتصل بموضوع التقييم ان تصنف الاندية وفق مستويات ماتقدمه وذلك دافع لها ان ترتقي وتتنافس. واقترح ابومدين فكرة انشاء مطبعة باسم الاندية تساهم فيها حينما يتحسن دعمها السنوي حتى تنتج فيها مطبوعاتها وتحقق لها ريعا من العمل التجاري يعينها على انفاقها والتوسع فيه وتذليل سبل دعوة مثقفين من الخارج على مسؤولية الاندية ويسمى الجيد من الدوريات (مجلات) تستصدر وزارة الثقافة والاعلام امرا رسميا بذلك، وتعديل نص المادة السادسة من نظام المطبوعات الذي اذن للاندية اصدار كتبها على مسؤوليتها دون الرجوع الى رقابة ادارة المطبوعات حيث استثنت هذه المادة - الدوريات - لأن هذا الاستثناء - كما يراه ابومدين - لا معنى له، اذ لا فرق بين كتاب مؤلفه فرد ودورية يكتب فيها عشرة كتاب او اكثر. وفي ختام ورقته اقترح ابومدين تغيير اسماء الاندية الادبية لتصبح كلها (النادي الثقافي) لان كلمة ثقافة اشمل واوسع معنى كما طالب بتعديل مسمى جمعية الثقافة والفنون، ليصبح جمعية الفنون فقط، لان هذا كان اسمها عند بدايتها وذلك حتى لا تتداخل انشطتها مع الاندية مشيرا الى اهمية ان يكون في كل ناد ادبي معرض تباع فيه الكتب بثمن مخفض يصل الى 50% من القيمة الاصلية للمطبوعات. مؤسسات ثقافية خاصة وعن دور المؤسسات الثقافية الخاصة جاءت ورقة الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري مشحونة بالمحاور المهمة فهذه الورقة التي حملت عنوان (المؤسسات الثقافية الخاصة.. الواقع والمأمول) تناول السديري موضوعه عبر ثلاث مسائل جوهرية المسألة الاولى هي ان الثقافة - في تكوينها ونشأتها وبروزها - مشروع خاص يصعب احتكاره وتسجيل السيطرة عليه، هذا واقع التجربة القديمة والحديثة وواقع التجربة البشرية عموما، فان كان هذا صحيحا عبر العصور فكيف الامر اذن في عصر الشبكة المعلوماتية، والاقمار الصناعية والاتصالات الآنية حيث ينطلق الفكر في فضاء بلا حدود، ويسير في زمن يسابق سرعة الضوء، مشيرا الى ان المؤسسات الخاصة يمكن ان يكون لها دور فاعل في هذا المجال، فهي بطرحها لهذه الامور تزيل الظل وتؤسس للحوار، وتفضي الى مراجعة الذات. اما المسألة الثانية فهي كما يرى د. السديري تتمثل في الفراغ الكبير في الفضاء الثقافي العربي، وهي المسألة التي تناولها بكثير من التفصيل تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2003م فهذا العالم العربي الذي يكون 5% من سكان العالم، لا ينتج من الكتب سوى 1ر1% من الانتاج العالمي، ولا يترجم الا اقل من كتاب لكل مليون مواطن في العام الواحد، مقارنة مع 519 كتابا في المجر، و920 كتابا في اسبانيا لكل مليون من السكان في العام بل ان الاجمالي التراكمي للكتب المترجمة في العالم العربي منذ عصر المأمون حتى الآن يوازي ما تترجمه في عام اسباني. وفيما يتصل بالمسألة الثالثة التي تمحورت حولها ورقة د. زياد السديري، فقد كانت عن موقع المملكة العربية السعودية من العالم المعاصر في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر، وما تكشفت عنه هذه الاحداث من حقائق ومن فقر في فهم الآخر هنا وهناك، مشيرا الى ان اول ما يلزم الاشارة اليه في هذا السبيل هو انه لم تعد العزلة او الاستقلالية عن هذا العالم شيئا متاحا، هذا واقع حال كل من يعيش على هذا الكوكب في هذا العصر، بما في ذلك اقوى دولة واغناها وهو بالتأكيد حال بلد الحرمين الشريفين في زمن يكثر فيه الحديث عن صراع محتمل للحضارات، وبلد اكبر مصدر للنفط، مالك اكبر مخزون له المتصرف بأكبر فائض لانتاجه، خاصة بعد ان تيقن الجميع انه لا بديل في المستقبل المنظور عن هذا البلد المنتج الرئيسي. وفي ختام ورقته قال السديري ان المؤسسات الثقافية الخاصة مهيأة لان تقوم بدور فاعل في اثراء الوعي الاجتماعي والاسهام في تطوير الاقتصاد الوطني، وملء الفراغ الخطير في فهم الآخر هنا وهناك. واقع المؤسسات اما ورقة عبدالمقصود خوجة - صاحب الاثنينية الشهيرة - فقد كانت رصدا تاريخيا لانشاء الاندية الادبية وجمعيات الثقافة والفنون، والصالونات الخاصة لدى الوجهاء في مختلف مناطق ومدن المملكة، وحتى خارجها في بعض الدول العربية مثل: القاهرة وفي تصوره لتفعيل هذه المؤسسات العامة والخاصة قال خوجة: اتمنى على وزارة الثقافة والاعلام، وقد اصبحت الكرة في مرماها والاندية الادبية تحت كنفها ايجاد روابط اوثق بين النوادي الادبية الثقافية من جهة، والمنتديات الادبية من جهة اخرى، والعمل على عقد اجتماع دوري لتفعيل العمل الثقافي، وتنسيق النشاطات المنبرية وغيرها بين مختلف الاطراف، على ان يتم ذلك بعيدا عن الاطر البيروقراطية التي تئد الابداع، كما دعا خوجة الى حث الصحافة والتليفزيون لاستثمار هذه المنتديات الثقافية والادبية بصورة فعالة تعكس ما يدور فيها بأسلوب جذاب ومنتظم حتى تصل تدريجيا للمتلقى الذي يهتم بهذا الجانب اينما كان على امتداد رقعة حرف الضاد، واشار خوجة الى اهمية استمرار النوادي والمنتديات والمجالس الادبية في اداء دورها الطبيعي الذي ارتضته لخدمة الثقافة والادب بعيدا عن السياسة والخلافات المذهبية، والعرقية العنصرية، وتصفية الحسابات الشخصية مهتدين بقول الحق سبحانه وتعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). دمج الاندية من جانبه قدم الدكتور فهد السماري ورقة فيها الكثير من المقترحات وهي حملت عنوان: (المؤسسات الثقافية السعودية.. رؤية واقعية ومستقبلية) وتحدث عن مسيرة تلك المؤسسات لكن الاهم في ورقة د. السماري يتمثل في تلك المقترحات التي طرحها في ورقته، حيث قال د. السماري: قبل ان ادلف الى موضوع الحلول والمقترحات اود ان اشير الى جوانب رئيسية تحدد اطار تلك الحلول: اولا: لا تتضمن هذه الورقة ومضمونها أي دعوة لدمج المؤسسات الثقافية، او الحد من نشاطها، بل ترى الورقة اهمية تعدد المؤسسات وتنوعها لاثراء العمل الثقافي مع الاخذ في الاعتبار موضوع التعاون والتنسيق المشترك وتوزيع المهام وليس تكرارها. ثانيا: لا تنادي هذه الورقة بتركيز العمل الثقافي في مؤسسة واحدة من حيث الاشراف المباشر، او القيام بدور رقابي على المؤسسات الاخرى. ثالثا: لا تطرح هذه الورقة حلولا لجميع مؤسسات العمل الثقافي وانما اقتصرت على المؤسسات الرسمية الى حد كبير، وربما تتماثل تلك الحلول مع جوانب ثقافية اخرى لا تشملها هذه الورقة ومن منظور المعطيات المشار اليها من واقع بعض المؤسسات الثقافية ومشكلاتها.. قدم د. السماري بعض المقترحات منها: اعادة هيكلة المسؤوليات والادارات المعنية بالثقافة في وزارة الثقافة والاعلام بما يتماشى مع واقع العمل الثقافي من جهة، وتوسيع دائرة الانشطة والبرامج لتشمل جميع عناصر الثقافة دون استثناء من جهة اخرى كما يقترح ان يسبق تلك الهيكلة اعداد رؤية تخطيطية دقيقة للعمل الثقافي تحدد من خلالها توجهات الهيكلة، كما اقترح السماري دمج الاندية الادبية وجمعيات الثقافة والفنون في ادارة واحدة باسم (نادي التراث والثقافة) على سبيل المثال - بحيث يستفاد من الامكانات المتاحة لكل من الجمعية والنادي ورسم استراتيجات جديدة واعداد خطط جديدة كما ان هذا الدمج سيتيح للوزارة فرصة خدمة الثقافة من منظور شامل واطار مؤسسي واحد، منوها الى انه في حالة التوجه نحو هذا الرأي فانه من الضروري دراسة واقع المؤسستين والعمل على وضع خطة واسعة وبرنامج شامل يأخذ في الاعتبار المستجدات والاحتياجات وتوسيع دائرة تواجد هذه الاندية في كافة مناطق المملكة وحواضرها التاريخية والثقافية. كما أشار د. السماري الى وضع آلية للتنسيق بين وزارة الثقافة والاعلام والمؤسسات الثقافية الاخرى الرسمية والخاصة من اجل تلافي بعض المشكلات واحداث التكامل العملي بينها، وانشاء هيئة باسم (هيئة التخطيط الثقافي) وتنظيم برنامج الوزارة في دعم المؤلفين من خلال شراء نسخ من مؤلفاتهم، وعقد مؤتمر عام كل سنتين يخصص لمناقشة اوجه الثقافة السعودية ومدى خدمتها بكل شفافية، والعمل على اصدار تقرير سنوي شامل للانشطة الثقافية السعودية الرسمية والخاصة والافادة من المعلومات في التخطيط وتلافي الاخطاء، واخيرا قيام وزارة الثقافة والاعلام باعداد روزنامة خاصة بجميع البرامج والانشطة الثقافية السعودية الخاصة بالوزارة وغيرها من المؤسسات الثقافية في انحاء البلاد. نشاط نسائي اما فيما يخص النشاط الثقافي النسائي، فانه اضافة الى تأثره بما سبق ذكره من مشكلات عامة، هو يواجه مشكلات خاصة به وحده، وهنا تقول الدكتور عزيزة المانع في ورقتها التي حملت عنوان: (تأملات في النشاط الثقافي): الحياة الثقافية النسائية تعاني من العزلة والاقصاء عن الحياة الثقافية العامة، فالنساء لا يتاح لهن حضور كل ما يعقد من ندوات ومناسبات ثقافية، ولا يسمح لهن بارتياد المكتبات العامة الا في حدود ضيقة، وكذلك الامر بالنسبة لمعارض الكتاب التي في الغالب لا يسمح لهن بارتيادها الا في مدة ضيئلة والنوادي الادبية، وجمعيات الثقافة والفنون مازالت الى اليوم موصدة الابواب في وجوههن، والنساء ينتظرن من وزارة الثقافة والاعلام ان تعينهن على تحريك هذه الحياة الثقافية الراكدة التي يعيش فيها، وذلك عن طريق تحقيق بعض الاهداف العامة. وفيما يتصل بهذه الاهداف العامة، دعت الدكتور المانع الى القضاء على العزلة المضروبة على النساء، واشراك المرأة في اتخاذ القرارات الخاصة بالشأن الثقافي، وتأسيس ملتقى ثقافي نسائي، وتأسيس جمعية للمثقفات السعوديات، وتطبيق ما يسمى ب(التمييز الايجابي) ضد المرأة كما دعت الى تفعيل التوجيهات الرسمية الخاصة بمشاركة المرأة في البناء الاجتماعي وانشاء اقسام نسائية في النوادي الادبية وفي جمعيات الثقافية والفنون، والاستعانة بالنساء المتخصصات ليتولين اعداد البرامج التليفزيونية والاذاعية التي تتناول الشؤون العامة، ودعم المواهب النسائية الناشئة في المجالات الثقافية المختلفة وهذا يقتضي اقامة ندوات ودورات تشرف عليها لجان نسائية متخصصة، وتأسيس مجلس ثقافي اعلى لرعاية العلوم والفنون والآداب واتاحة العضوية للنساء. وفي ختام ورقتها قالت د. عزيزة المانع: ما جاء هنا لا يعدو ان يكون حفنة من الاهداف تمثل ملخصا للاحتياجات والتطلعات اما كيفية تحقيق تلك الاهداف فأظن ذلك يحتاج الى لجان متفرغة تدرس كل هدف منها على حده، ولتضع له آليات التفنيذ الخاصة به. وشكرت كل من د. فوزية البكر، د. هتون الفاسي، د. سعاد المانع، د. هند خليفة، د. ندى الطاسان، وفوزية الجارالله، وهدى الغفق لمشاركتهن بالرأي ووجهة النظر في الورقة التي قدمتها. عبدالمقصود خوجة