(في داخلك منجم للإبداع.. فتش عنه، ولكن قبل ذلك تدرب على التنقيب؛ حتى لا تكسر الألماس). هكذا قال الحكيم.. وصدق.. فكل انسان تكمن فيه مواهب وصنائع قد لا يكتشفها مبكرا، فتظل في حاجة الى من يزيل عنها غبار الاهمال، وتجليتها؛ لتنبثق قوية مشعة، قادرة على التفاعل والعطاء، وما عليك إلا أن تكتشف نفسك، أو تدع غيرك يكتشفك. ابحث في شتى الحقول، واطرق كل الدروب؛ حتى تهتدي الى ما تشعر معه بأنك خلقت له فكل ميسر لما خلق له. ابحث عن شمالك الحقيقي وهنا أقف معك أمام نص نبوي يحدد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصية التي يتمتع بها عدد من صحابته؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح).. انها التفاتة نبوية كريمة للتميز.. فهل ستلتفت أنت إليها؟ هيا حدد اتجاهك بكل دقة.. ليكن هذا العمل الذي تسلمه طاقتك ووقتك مناسبا لقدراتك، ولتكن الوسائل متماشية مع شريعة دينك، فالغاية لا تبرر الوسيلة، والهدف الأسمى هو رضا الله تعالى. وليس عيبا الا يتقن أحدنا أمرا من أمور الحياة، أو أن تقصر طاقته عن المشاركة في عمل من أعمال المعروف التي يحبها، ولكن المعيب فعلا ألا يكون في أمل له نفع وفائدة. كما أنه لا ينبغي لمن أراد النجاح أن يختار ما يحب فقط لا ما يتقن، أو مجرد أن يجد نفسه يميل الى أمر فيختاره، دون أن يكون قادرا على الابداع فيه، والانتاج به. فليس الهدف أن يكون مجرد مقلد ومردد لعمل غيره، بل لابد أن يكون مبدعا في فنه، انموذجا يحتذى في عطائه وقدراته، وليس نسخة من انسان آخر، فإن من تكلف مالا يعلم، فقد يفسد ولا يصلح، ولن ينجج إلا من صدق مع نفسه، وعرف قدرها، فلا يبخسها حقها، ولا يخدعها فيضعها في غير مواضعها. ان بعض الناس ربما جرب ميدانا من ميادين الحياة، فخسر الجولة الاولى فيه لأي سبب كان، فإذا به يشعر بأنه لا يصلح له ولا لغيره أبدا، ويغفل عن حقائق. فقد يكون وضع نفسه في موضع لا يليق بها فيزرى بها.. أو في مكان لا يستطيع فيه أن يستثمر فيه ملكاته فيشعر بأنه يقتل مواهبه، أو أنه وضع نفسه فيما لا تستطيع أن تتحمله، فيكلف نفسه مالا طاقة لها به فتنقطع به، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن المنبت لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع). إن الناجحين يرون ان حظهم بسبب نجاحهم، بينما الفاشلون يرون أن فشلهم بسبب حظهم؛ ذلك ان الحظ متحرك فالناجح سار معه فأدركه، والفاشل قعدت به نفسه فتركه حظه وسار. اذن فالناجح ينتظره الحظ اذا سار في الطريق الصحيحة، بينما الفاشل ينتظر الحظ وهو قاعد في مكانه لا يتحرك، بل يتحسر على نفسه، وقد قيل في المثل الروسي: اذا كنت ديكا فارفع عقيرتك بالصياح، أما اذا كنت دجاجة فضع بيضك واصمت. الناجح أيها المتطلعون لصناعة النجاح في حياتكم.. مع أسركم.. في دراستكم.. في عملكم.. في خدمتكم لأمتكم وأوطانكم الناجح يصنع الحظ ويخطط له، بينما الفاشل يراه وراثة أو قدرا محضا ليس للانسان ارادة فيه؛ فيفسر نجاح أقرانه بأنهم خلقوا نجباء أبناء نجباء، أو أنهم توافرت لهم ظروف بيئية تختلف عن ظروفه، وفرق بين من يستفيد من الظروف التي من حوله وبين من يحتج بها على فشله، وينسى هذا الفاشل أن الناجح يرى أن النجاح ليس محتما له، وان تفاءل به وتوقعه، ولكنه يعلم أنه يحتاج الى سعي فيسعى له، فيما الفاشل يرى أن الفشل محتم له؛ ولذلك فإنه لا يرى فائدة من العمل أصلا فيقعد في بيته. تنويه: الحظ هنا ليس الصدفة.. فليس ثمة صدفة في الوجود.. وإنما هو النتيجة الطيبة المقدرة لمن يبذل الاسباب. يقول الله تعالى (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).