عندما يكون توم كروز رجلا (صالحا) - على الشاشة - يكون صالحا (جدا) ولكن عندما يكون شريرا فهو افضل. ويوفر فيلم (كولاتيرال) لتوم كروز اول فرصة ليكون شريرا جدا بالفعل، ليس مجرد انسان متعجرف معطوب كما كان على نحو مذهل في فيلم magnolia وليس محطما وتائها كما كان في minority report. في الفيلم الجديد فينسنت - الذي يلعب كروز دوره - هو الإبليس الذي يرتدي بذلة رمادية انيقة والقاتل المأجور المكلف باغتيال خمسة من شهود المحكمة الفدرالية في ليلة واحدة. لقد اختفت من وجه الممثل ابتسامة الواثق من نفسه والحركات غير الاعتيادية للنجومية، لقد خفض صوته الى موجة مختلفة تماما، وبشعره الذي خطه الشعب ووجهه الذي ارتسمت عليه امارات الخسة، يبدو احيانا شخصا مختلفا تماما - اشبه بوليام بيترسن في فيلم (مانهانتر) من الافلام المبكرة لمايكل مان في العام 1986م والذي اخرج (كولاتيرال). وقد يبدو إسناد دور الشرير لتوم كروز كخطوة دعائية، الا انه جزء جوهري لفيلم ينبض - في ثلثيه الاولين على الاقل - بالاثارة والغموض. وعلى غرار فيلم (الحار) لمان والذي تدور احداثه ايضا في لوس انجيلوس يصور (كولاتيرال) بدقة فصاما وتباينا في حياة المدن مثل المظهر البراق المشوش الذي يخفي تحته الاحشاء الخطرة للمدينة، الشمس تكاد تغرب وتلف كل شيء في ضباب برتقالي، السيارات تعبر ببطء الشوارع في قلب المدينة على ايقاع الاغاني في الخلفية، الا ان ثمة شيئا اعتم يجري في الاسفل ومان يفهم وينقل الى المشاهد تلك الوتيرة المزعجة. يصل فينسنت الى المدينة ويجوب هذه المنطقة بمساعدة سائق سيارة اجرة يدعى الصلاح والمعرفة واسمه ماكس (يلعب الدور جايمي فوكس) وهو ايضا يؤدي دورا جديدا عليه. ويطلب فينسنت من ماكس ان يتجول به طوال الليل بسيارته لزيارة الاصدقاء وشركاء العمل قبل موعد رحلته الجوية في صباح اليوم التالي - ولأنه في الحقيقة يكون قد اختطف السيارة بمزيج من المودة والتهديد المبطن، ويتردد ماكس ولكنه يوافق عندما يلوح فينسنت برزمة من الأوراق المالية امام عينيه. وفي محطتهما الاولى - عندما تسقط جثة ميت على السيارة من نافذة شقة في الطابق الرابع - ضحية مهمشة لاسلوب فينسنت - يعي ماكس المصعوق الطبيعة الحقيقية لراكب سيارته وينجرف مرغما الى الجولة. ولا يستطيع ماكس ان يتكهن اين يذهبان، ولا يستطيع المتفرج ان يتكهن ايضا، والحديث الذي يدور بينهما في السيارة بين الحادث والآخر لا يبدو مهما، ولكن لاحظ كيف يتغير كل منهما بشكل خفي مع تقدم عقارب الساعة في الليل، فينسنت الفظ يصغي اكثر قليلا، وماكس الوقور يصبح ملحاحا- مع انه لا يستطيع ان يتملص، وهذا لا يحاول اصلا، والكاميرا تؤطرهما وكأنهما جالسان في احضان بعضهما البعض، مما يضفي على الفيلم اجواء رهاب الأماكن المغلقة. وكل هذا الوقت يتعقبهما رجل التحري فانينغ، من شرطة لوس انجيلوس الذي يلعب دور مارك روفالو، الذي لا يظهر كثيرا على الشاشة وجادا بينكت سميث هي كعادتها محامية جميلة تركب سيارة ماكس في بداية الفيلم، فيما يحل بارديم ضيفا، على الفيلم لفترة وجيزة كزعيم لعصابة مخدرات. ثم يتغير كولاتيرال ايضا، فيصبح سخيفا ومضحكا فابتداء من تبادل اطلاق النار خلال اغتيال في ناد ليلي آسيوي مكتظ بالرواد، يتصاعد النص الذي كتبه ستيورات بيني (الذي شارك في كتابة سيناريو قراصنة الكاريبي: لعنة اللؤلؤة السوداء) ويظل يتصاعد على نحو محبط حتى تفلت زمام الامور كليا. وبطريقة من الطرق يكتسب فينسنت مناعة فيلم (تيرمانتور 2) انه يتعرض لحادث تصادم سيارات ولكنه يزحف خارجا من حطام سيارة منقلبة ويركض مسرعا دون اي تردد في شوارع وسط مدينة لوس انجيلوس والمسدس بيديه ليصطاد ضحيته التالية، ولا تردعه اصابته بالرصاص في رأسه، وتصبح اللحظات الاخيرة للفيلم التي كان يفترض ان تكون باهرة، مضحكة دون قصد. ولكن كل شيء جاء قبل ذلك كان آسرا (جدا). (كولاتيرال) من توزيع دريم ووركس وبارامونت بيكتشرز وهو للكبار لكثرة العنف فيه، ويستغرق عرضه 120 دقيقة.