الدكتور حسن هند احد الادباء الذين القيت عليهم الاضواء في الفترة الاخيرة، خاصة بعد ظهور روايته الاولى (عناقيد الروح) التي نوقشت في ورشة الزيتون الادبية واتيليه القاهرة. والدكتور حسن هند له مجموعة قصصية تحت الطبع عنوانها (امرأة الشمس)، وله عدة كتب صدرت قبل ذلك منها (الانتخابات البرلمانية)، وصدر له هذا العام عن مكتبة الاسرة كتاب (النظام القانوني لحرية التعبير)، وفي هذا الحوار نتناول مع الدكتور حسن هند تجربته الابداعية وتلقيها نقدياً، ورأيه في الواقع الروائي والنقدي. @ متى بدأت تجربتك مع الابداع؟ * بدأت تجربتي منذ 15 عاماً عندما كتبت اول قصة قصيرة لي، وكان عنوانها (نورستان وعصفور)، ثم نشرت بعض القصص في مجلة (الثقافة الجديدة)، ثم طورت تجربتي الابداعية، فالطبيعة تمنحك البث الاول، وقد حدثني صديقي د. نعيم عطية انه في احدى رواياته كانت تطارده صورة رجل طاعن في السن وطفل صغير كلما ينام يراه، وتظل هذه الصورة تلاحقه اياماً، فيقوم بالكتابة وينجز رواية من اهم رواياته. عناقيد الروح @ ماذا تعالج روايتك (عناقيد الروح)؟ * هذه الرواية صدرت عن دار ميريت، وتبدأ من نقطة مفصلية هي العام الثامن والستون من القرن العشرين الذي شهد تحولات كبيرة في العالم اجمع، ففي فرنسا تظاهر الطلبة ضد ديجول، وفي مصر بدا جلياً انكسار النموذج الذي كان سائداً، وفي اوروبا ظهرت حركات الهييبز، وبدأت منظومة القيم تتغير، بحيث صارت القاعدة استثناء والاستثناء قاعدة. وهذا ما ظهر في رواية (الشمعة والدهاليز) للطاهر وطار، حيث نجد الجزائريين تظاهروا لطرد الفرنسيين، وحدث الزحف المقدس نحو العاصمة وامتلاك منازل الفرنسيين الراحلين، وحدث تزاوج بين الضباط والرأسمالية الجديدة، وكونوا طبقة جديدة هي طبقة (الهاي كلاس) التي سيطرت على النخبة الحاكمة، ولم يعد هناك حراك اجتماعي، وصار المثقف تابعاً للسلطة، بل انه اصبح بوقاً اعلامياً لها، وظهر التفكير جلياً في تغير منظومة القيم بدءاً من الحب، وانتهاء بالوطنية وملكية الدولة للمرافق. @ ماذا تعني كتابة الرواية والقصة بالنسبة لك؟ * القصة القصيرة تعبر عن لحظة مكثفة جداً تلتقط وتكتب فوراً، فمثلاً قصتي (نور كنتاكي نيولوك) تحتوي على خمسة اسطر تجلس فيها الفتاة في محل (كنتاكي) تتناول الدجاج غارقاً في الكاتشب، وتستمع الى الاغنية الامريكية (لا شيء يوقفنا الان)، وتتذكر كيف ضرب المطار في العراق بقنبلة عنقودية صغيرة تهتك الكبد وتسلب الحياة، وفي هذه القصة كان لا بد من هذه الومضة السريعة للتعبير عن الواقع. اما الرواية فانها نهر متدفق يصلح مجالاً للمبارزة والسرد بتدفق، ومقابلة المادي بالروحي، ولذلك فانه في رواية (عناقيد الروح) تجد شخصية الحاج فرج الذي يحفظ كل مصطلحات علب الليل، ويقضي النهار في مسجد السيدة نفيسة، وهو ما يعبر عن ازدواجية حقيقية نعيشها جميعاً، حيث التمازج بين الصواب والخطأ، حتى ان الكاتب يصرخ اكثر من مرة (صار الكلام محتبساً والفعل ملتبساً) وهو ما يعبر عن انه فقد التركيز في معرفة الصواب من الخطأ، بل ان الشخصيات فقدت ارضية الحقيقة التي صارت مراوغة، وعلى سبيل المثال فان شخصية (ليلى) في الرواية بعد ان كانت تحمل كتب الشعر والادب صارت مجرد تابع في جيش المدير العام، وصارت موظفة نهارا، ومازجت بين هذا وذاك في اقتناع كامل. وهذا الانقلاب وهذه اللحظة المفصلية هو ما نراه في عصرنا الحاضر، ولا يستطيع البعض ان يرصده بعمق، ويرفض التعبير عنه. وما حدث لليلى كان تعبيراً عن حالة تغيير جذرية نمر بها، وكذلك يعبر عن حالة استلاب، فنحن كالمسرنمين (السائرين نياماً) نسير بقوة رد الفعل، فكل الاشتراكيين القدامى صاروا رأسماليين حتى النخاع، وكل الثوريين الاحتفاليين القدامى صاروا احتفاليين جدداً، ولم يعد هناك ستر للعورة ولا معصومية للروح، مما يعني ان الشخصيات في الرواية - مثل شخصية البطل الذي يحتضر بداء فتاك - قد تعبر عن قيم تحتضر وشخصيات تتبدل، وهذا الانكار للموقف السلبي للابطال نوع من الادانة لهم، ودعوة للاخرين للتحرك الايجابي والعودة الى المسار الصحيح. @ لماذا اقتصرت على الرواية والقصة القصيرة ولم تتجه الى الشعر او المسرح؟ * اما عن الشعر فانه يعبر عن حالة مكثفة جداً لم اجد فيها - رغم احترامي الشديد للشعراء - ما يمكنني ان اوصل به رسالة مباشرة الى المتلقي، بل قد يعتريها بعض الغموض الذي خشيت الانزلاق فيه. ولم اجرب الكتابة المسرحية، مع احترامي الكامل للمسرح، بيد انه يمكنني في الرواية والقصة ان امسرح الموقف او تأتي اللغة الشعرية كما جاءت في روايتي (عناقيد الروح)، حيث تضمنت اشعارا لجلال الدين الرومي وابن الفارض وغيرهما من الشعراء الحداثيين والمحدثين. روائيون اثروا في @ هل هناك روائيون تأثرت بهم؟ * من تأثرت بهم كثيرون، على رأسهم نجيب محفوظ عميد الرواية العربية المعاصرة الذي يتميز بحرفية مذهلة تجعلك تغبطه لفرط امساكه بالموقف الروائي الذي لا يفلت منه ابداً، بل انه كتب اشكالاً حداثية حال كتابتها في اوروبا. وهناك يوسف ادريس الذي كتب القصة القصيرة والرواية بمبضع جراح، ثم يأتي ادوار الخراط ونعيم عطية، ولا ننسى جمال الغيطاني وتطوره الكبير حتى (التجليات) و(الدفاتر) التي يكتبها حالياً، ويوسف القعيد، وصنع الله ابراهيم الذي يوصل رسالته بصورة معرفية عالية وتقنية مذهلة، ويناضل في الكتابة الى اخر مدى. وعلى المستوى العربي يأتي جبرا ابراهيم جبرا وحنا مينة والطار وطار والطاهر بن جلون. دور الروائي @ ما دور الروائي في الحياة؟ وما دور المبدع بشكل عام؟ * دور الروائي في الحياة ان يلتقط الشخصيات الايجابية والسلبية، فيعظم الايجابي ويدين السلبي، ويحاول تطوير المجتمع والعمل على نهضته وتذكيره بقيمه وتقاليده ومفاتيح تطوره، واعطائه قيم التقدم، وهذا يعني ان يتمسك بكل قديم من جوهر حضارته، ويضيف اليه القيم الباعثة على التقدم، فاذا كان العلم نظريات، والتكنولوجيا تحويل للنظريات الى سلع وخدمات، فانه لا بد للمبدع ان يجمع بين اكتشاف الموروث القديم الهائل وتثويره، واضافة الحديث الذي نأخذه من الاخرين، لكن بشرط ان نكون مشاركين لا مستهلكين. وليس دور المبدع كما في الغرب تقديم الفن من اجل الفن او الابداع من اجل الابداع، اذ انه حين يتخلى السياسي عن دوره لا بد ان يملأ المبدع هذا الفراغ وفق اطار معرفي تنويري. الرواية السعودية @ ما رأيك في الرواية في السعودية؟ وهل لفتت نظرك اسماء معينة؟ * الرواية السعودية تمر بنهضة كبيرة، لان المجتمع السعودي يمر بنهضة ايضاً، وانا من اشد المعجبين بعبد الرحمن منيف في رواياته، ومنها (النهايات) و(مدن الملح). @ ما رأيك في الاستقبال النقدي لمنجزك الابداعي؟ * قابلت بعض النقاد المنهجيين مثل الناقد عبد العزيز موافي الذي كتب عن روايتي في جريدة (اخبار الادب) دون ان يعرفني، وحللها تحليلاً جيداً، وتماست معه في ابعاد كثيرة، لانه كان مقاتلاً في حرب اكتوبر 1973 كما قابلت الشاعر والناقد محمود الشاذلي الذي رأى ان هذه الرواية تكريسا للمثقف الحالي، وكتب عنها في جريدة (المساء) انها مجموعة من العناقيد تطرح مجموعة من التساؤلات، فضلاً عما ارتآه المتلقي العادي، واعجبه فيها الكثير من شخصياتها ومنها ليلى والحاج فرج في لحظة الانقسام والانشطار. كما ان كثيراً من الروائيين اعجبوا بها، كالروائي علاء الاسواني الذي امتدح فيها الدفقة الشعرية الورادة فيها. بيد انه يوجد بعض النقاد الانطباعيين الذين وجهوا لها بعض النقد، وهذا حقهم، لكنني لا اكتب وعيني على نظرية نقدية او ايديولوجية فكرية بعينها، والا صرت تابعاً لهذا الناقد او ذاك، فضلاً عن انني لست استنساخاً لاي روائي اخر، واستخدم تقنيات فنية جديدة، منها فنية التفكيك عند جاك دريدا، وعلى المتلقي ان يقوم بالتجميع والتركيب وفق رؤاه. واذا قالت كاتبة نسوية انني ادين المرأة، فعلى العكس لقد ادانت نموذجاً يشترك فيه الرجل والمرأة معا، وهو نموذج المثقف المستلب، وكل صفحات الرواية تشهد باحترامي للمرأة، بدءاً من كوكب الشرق ام كلثوم، والجدة العظيمة (جدة بطل الرواية). كما انني اشدت بانتصار فاطمة بنت بري على اليهودي، اضافة الى نماذج نسائية اخرى كثيرة. الابداع والنقد @ ما تقييمك للعلاقة بين الابداع والنقد؟ * المشكلة في النقد انه يكون في كثير من الاحيان انطباعياً، ويخضع لعلاقات الايديولوجيا وغيرها، الا انني في كثير من الحالات ارى النقد مجرد تعبير عن وجهة نظر نقدية ما دام لم يخرج بنظرية ممنهجة عن العمل الروائي، والدليل انه من الممكن ان تعتبرني كاتبة نسوية ضد المرأة، وهذا غير صحيح، او يقتطع ناقد ايديولوجي بعض العبارات من مقاطعها ويلقي باللائمة علي، ويبقى ان العمل يلقى قبولاً وبه رؤية سردية، لانه يجب الا نحاكم الافكار، وانما ينبغي ان نكون مع حرية التعبير، والا سنضع الكاتب وقلمه في قبضة حديدية ونوجهه للكتابة في اطار معين، واذكر ان صديقاً لي اخذ الرواية واعطاها لاسرته التي نصفها سعودي ونصفها الاخر مغربي، وقرأت كل سيدات العائلة الرواية، وخرجن منها بحب جارف لشخصية ليلى، أليس هذا نوعاً من النجاح؟.. وانا لا اضع تخطيطات عن يميني ويساري عندما اكتب. وقد حدث ان وضعت امامي - وانا اكتب الرواية - كتاب برسي لوبوك (صنعة الرواية) ووضعت كل تخطيطات الرواية امامي، لكنني لم اتبع اياً منها، لانني رأيت في اتباع اي منها نوعاً من التقليد، وكان ان قمت بالتفكيك حتى اخر ثلاثة فصول في الرواية، ثم قمت بالتجميع، وتركت المتلقي يتلقى كما يشاء في زمن غير مرئي او متسلسل، وهو زمن غير حقيقي ومتراخ. @ ما موقع الرواية المصرية في الرواية العربية؟ * موقع الرواية المصرية موقع جيد، فكثير من الروائيين المصريين بالمقاييس العالمية عالميون، مثل صنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني وغيرهما، وان كان الرواية قد تقدمت في دول المغرب العربي، الا ان كثيراً من الروائيين المغاربة يعيشون في فرنسا ويكتبون بالفرنسية، ولا انسى عام 1989 عندما فاز جمال الغيطاني بروايته (الزيني بركات) مع الطاهر بن جلون بروايته (ليلة القدر) بجائزة الجنكور الفرنسية، لكن المشكلة تكمن في ان زمار الحي لا يطرب، فعلى حين يتلقى البعض الروايات الاوروبية ويقبلون من المبدع الاجنبي كل صور حرية التعبير كما في (مائة عام من العزلة) لماركيز، نجدهم يحرمون على المبدع العربي اي محاولة للخروج على مألوفهم النقدي. عبدالرحمن منيف