يعد مبدأ حصانة الدولة ذات السيادة من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي العام فهو يعني حرية الدولة في تسيير شؤونها الداخلية والخارجية دون تدخل من أي دولة أجنبية. ولا يتصور تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع إذا لم يكن للدولة حصانة أمام القضاء الأجنبي، فالحصانة ضمانة حقيقية لتكريس مفهوم سيادة الدولة في المجتمع الدولي وهي الركيزة الأساس في تنظيم العلاقات بين الدول. ومن جهة أخرى فإن مبدأ حصانة الدول يُعد من القواعد الآمرة في مجال القانون الدولي ولا يمكن لأي دولة مخالفته فهو ملزم لجميع الدول. ويبدو أن أول من استعمل كلمة السيادة هو J.Bodin في كتابه "الكتب الستة للجمهورية" الصادر عام 1576م وعرّف فيه السيادة، كما ارتبط ظهور مصطلح السيادة لترسيخ مبدأ حصانة الدولة بظهور القانون الدولي الخاص في إيطاليا في القرون الوسطى بسبب تطور العلاقات الدولية وتشابكها، ثم امتد إلى فرنسا وهولندا وانجلترا، وانتشر في العديد من دول العالم إلى أن جاءت الثورة الفرنسية في عام 1789م وبلورت فكرة الدولة وفكرة السيادة. ويسري نطاق مبدأ حصانة الدولة على الدول ذات السيادة وفقا للقانون الدولي العام، فهي وحدها من تتمتع بالحصانة وفقاً لأحكام وقواعد القانون الدولي العام، وقد نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم في المملكة على أن: "المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة...". وقد شرعت الكثير من الدول مبدأ الحصانة في قوانينها المحلية، وبالتالي تلتزم الدولة بتطبيق الحصانة بناءً على قوانينها المحلية وكذلك القانون الدولي العام. وتعرف حصانة الدولة بعدم خضوع قراراتها أو ممارساتها لاختصاص القضاء الأجنبي، ويقتصر ذلك على الأعمال والقرارات السيادية، أما الأعمال التجارية فإنها تخرج عن نطاق الحصانة القضائية. وفي هذا الخصوص فإن قوانين مبدأ الحصانة غالباً ما تستثني تطبيق الحصانة إذا كان محل النزاع أمر تجاري وليس سياديا. كما تضطر الدول إلى التنازل عن حصانتها في نطاق الأعمال التجارية، وإلا سيؤدي ذلك إلى عدم دخول كثير من الأشخاص في أي علاقة تجارية مع دولة ما خوفاً من عدم تنفيذ الدولة التزاماتها التعاقدية والتمسك بمبدأ حصانة الدول أمام القضاء والدفع به لشطب أي دعوى ترفع ضدها. وهذا ما يدعو الأفراد أو الشركات إلى إدراج نص صريح في العقود التي تبرمها مع الشركات على جواز تسوية النزاع باللجوء إلى المحاكم أو هيئات التحكيم، وأن الدولة المعنية تتنازل عن الحصانة في حال نشوب نزاع مع الطرف الآخر. ولقد باشرت العديد من القضايا السيادية التي انتهت برفض الدعاوى المقامة من المدَّعين ضد الدولة أو ممثليها، وكان الرفض بناءً على مبدأ حصانة الدولة ورأيت عن كثب ومن واقع الممارسة العملية مدى قدسية هذا المبدأ أمام القضاء. وجدير بالذكر أن حصانة الدولة تنطبق بذات القدر على الأفراد الذين يمثلونها، لأن الدولة لا تستطيع التصرف إلا من خلال مسئوليها فتصرفاتهم هي تصرفات الدولة وحصانة الدولة فيما يتعلق بهم أمراً أساسياً بالنسبة لمبدأ حصانة الدولة. وبناء على ذلك لو تمت مقاضاة مسئولي الدولة فسيكون قانون حصانة الدولة غير ذي أثر وبلا قيمة، إذ كيف يعقل مقاضاة الفرد الذي يتصرف نيابة عن الدولة وأن لا يتمتع بالحصانة كما هو الحال بالنسبة للدولة. وختاماً فإن رجال القانون القدامى قد ابلوا بلاءً حسناً في هذا الجانب من خلال تأكيدهم على وجود واحترام هذا المبدأ؛ حفاظاً على سيادة الدولة وتجسيده في القوانين المحلية لتنظيم علاقات الدول مع بعضها البعض وتبادل الاحترام بينها. [email protected]