في كتابه "كيف تحقق إنجازات وأنت لست المسئول" يخاطب مؤلفه جيفري بيلمان الإدارة الوسطى في عالم الأعمال، الذي تسوده اليوم أجواء منافسة شديدة. ويوضح بيلمان كيف يمكن لتلك الفئة من المديرين - مهما كان مجالها - أن تحقق نجاح المؤسسة، وتقدم خدمة متميزة للعملاء، وتحقق نجاحها الشخصي في آن واحد، بما يتعدى مجرد كسب لقمة العيش، بل تحقيق الرضا الوظيفي، الذي يفتقده كثيرون اليوم. يستخدم المؤلف في كتابه هذا أسلوب العناوين القصيرة والمثيرة واللافتة للنظر لشرح مفاهيم جديدة من خلال إيضاح الفرق بين دور الإدارة العليا والأدوار المساندة لها - مثل دور الإدارة الوسطى. ويقدم مجموعة كاملة من القوائم التي تتضمن الأهداف والقواعد وخطوات النجاح والعائد من وراء كل ذلك، بالإضافة إلى أساليب تقييم الذات، التي تساعدك على التعرف على ما إذا كنت تسير على الطريق الصحيح أم لا. وبالإضافة إلى نصائحه هو الشخصية، يجري المؤلف حوارات وأحاديث واستقصاءات مع كثير من مديري الوسط للوصول إلى خبراتهم ونصائحهم التي يستقونها من تجاربهم العملية، وليس من خلال دراسات نظرية، كما فعل هو. وبذلك يتضمن الكتاب الجانبين العملي والنظري، مما يزيد من قيمته وفائدته. وكثيرا ما يقال ان مديري الوسط هم أقل أفراد الإدارة رضا عن أنفسهم وأحوالهم وأوضاعهم "الوسطية". لذلك يقدم لهم بيلمان من خلال هذا الكتاب أيضا نصائح حول كيفية رفع مستوى مسئولياتهم وتأثيرهم. ويتم ذلك بشكل أساسي بتغيير مفهوم دورهم المرسوم لهم كتنفيذيين ومشرفي تنفيذ إلى دور المشارك في رسم السياسات والخطط الاستراتيجية. فكلما كبر حجم المؤسسة كان ذلك ميزة لكبار الموظفين وصغارهم. إلا مديري الوسط، الذين يزداد إحساسهم بالضياع والتيه كلما زاد حجم المؤسسة. ومخرجهم الوحيد من هذا المأزق هو أن يبادروا هم أنفسهم بإجراء تغييرات في محيطهم وفي وصف وظائفهم، ولكن بشكل لا يتخطى الآخرين ولا يخرجهم تماما عن نطاق مسئولياتهم التي يحاسبون عليها. بل يقدم لهم المؤلف نصائح حول كيفية لفت الأنظار لإنجازاتهم المختلفة تلك، بحيث ينالون تقدير الإدارة العليا، لا سخطها وغضبها. ويضع المؤلف كل اقتراحاته تلك في إطار نموذج متكامل للتغيير يدعم مجهودات القيادة لمديري الوسط والوظائف الإشرافية، الذين يملكون كل مواهب القيادة، لكنهم لا يملكون سلطة رسمية لممارستها. ولا ينبع موقف المؤلف هذا من تضامن أجوف معهم. بل من إيمانه أن كثيرين ممن يتبوأون مقاعد الإدارة العليا يصلون لها بشتى الطرق دون أن يستحقوها. وأن كثيرين من مديري الوسط يتمتعون بمواهب قيادية يمكن أن تفيد مؤسساتهم، لكنهم وضعوا في المكان الخطأ، إما بسبب صغر سنهم أو عدد سني خبرتهم. ويؤكد بيلمان أنه في حين أنه يجب احترام هذه الاعتبارات لأنها تمنح المؤسسة الاستقرار والنظام، إلا أنها لا يجب أن تقف عائقا أمام أصحاب المواهب الإدارية، وأن النظام يجب أن يتمتع بقدر من المرونة تسمح للموظف الموهوب بالتحرك بداخله، حسب موهبته، وليس حسب وضعه الوظيفي ومسماه الوظيفي فقط. ويؤكد المؤلف نجاح نموذجه هذا لأنه يفيد المؤسسة ومدير الوسط شخصيا على السواء. فالمؤسسة تستفيد من مواهبه الإدارية واقتراحاته البناءة في التحديث والابتكار ولتحقيق أداء أفضل. وهو شخصيا يتطور وينمو بسبب ممارسته مواهبه وإحساسه بالإسهام في المؤسسة، خاصة عندما ينال التقدير الذي يستحقه. كما يخرج من حالة الإحباط التي يسببها مركزه الوظيفي الذي يربطه في مكان لا يمكنه سوى من التنفيذ وليس من وضع السياسات أو ابتكار إجراءات أو غير ذلك من المهارات الإدارية. ويرى بيلمان أن سبيل مدير الوسط لتحقيق هذا التغيير الإيجابي يتمثل في: * عملائه من داخل الشركة، أي موظفي الإدارات الأخرى، الذين يمكن أن يسهل لهم معاملاتهم مع إدارته بابتكار إجراءات جديدة للعمل. * عملائه من خارج الشركة، الذين يمكن أن يوسع من نطاق خدمته لهم، بحيث يقدم لهم خدمة متكاملة وليست جزئية في اختصاصه الرسمي فقط. وصحيح أن أسلوب التقدم باقتراحات نظرية للإدارة العليا كثيرا ما يؤخذ به ويلفت الأنظار إليه، خاصة إذا كان الاقتراح يستحق، لكن الأسلوب العملي التطبيقي هو الذي يحقق لمدير الوسط كل ما يتمناه من خلال الممارسة الفعلية، وليس التقدم باقتراح ليقوم غيره بتنفيذه وجني ثماره العملية. وهكذا يلفت الكتاب أنظارنا لفئة من العاملين، تمتلك خبرة كافية وعطاء كبيرا كثيرا ما تحرم من المشاركة في مسيرة التغيير بسبب موقعها التنفيذي فقط. وبذلك يمكن لكل مؤسسة أن تستفيد من مواردها البشرية دون الحاجة إلى استجلاب استشاريين من خارجها، يتقدمون باقتراحات قد تنجح وقد تفشل. Getting Things Done When You Are Not in Charge By: Geoffrey Bellman 156 pp. - Berrett-Koehler Publishers