في ليلة عبقت بالكرم والمروءة كان الشاعر سعد بن هتيل يقطن بالقرب من حرض , تقاطر ضيوف غالبهم من المرة القبيلة المشهورة على مكانه فأخذ كلما وفد عليه وفد قام وذبح لهم .. ثلاثة وفود في أول الليل وأوسطه وآخره لئلا يقدم أحدهم على عشاء الآخر فارتجل شاعر من المرة يقال له ابن الزعبية هذه الأبيات يخلد فعل ابن هتيل:==1== صل الركايب على ابن هتيل==0== ==0==ينقض تعبهن برحّابه لامن ضونّه توال الليل==0== ==0==يضحك حجاجه معَ نابه==2== الحديث عن شاعر فحل بهذه الصفة حديث ماتع وابن هتيل شاعر أصيل ليس بخاف ٍ على أهل الشعر وخاصته , له ديوان مطبوع , السفر بين جوانبه يجعلنا نتفيأ ظلال الجزالة وعبق الشعر النادر, هو سعد بن ناصر بن فهد بن سعد بن هتيل المسعري الدوسري ولد في الغاط عام 1333 ه وتوفي في الرياض عام 1408 ه عن عمر يناهز ال 75 سنة. عاش في البادية ثم ارتحل للرزق وللغوص ثم عاد للعمل موظفاً في الديوان الملكي ردحاً من الزمن, سكن الحجاز وتعلم القراءة والكتابة, درس القرآن وجانباً من الحديث والسيرة في الحرم المكي. استقر في وادي الدواسر أواخر عمره, كان ابن هتيل طويل القامة قوياً سريع البديهة حاد الذكاء صاحب قوة بدنية وقوة في الشكيمة والجلد, امتاز بالوفاء والكرم والاريحية. أبدع في النظم كثيراً. أما المحاورة فقد كان عطاؤه فيها محدوداً حيث دوّن له محاورات مع الشاعر صقر النصافي والشاعر عبدالله بن حماد في أكثر من مناسبة. لابن هتيل وشعر النظم صولات وجولات, طغى على شعره مذهب المدح وكتب في الحكمة والنصح وسبر جوانب الحياة , وكغيره من الشعراء عرّج ابن هتيل على الغزل ليس إيغالاً فيه ولكن جعله مرتقاً لإبراز موهبته الشعرية ولتعبيد الطريق لمجالات الشعر الأخرى كالمدح والوصف والحكم . يسرنا الابحار مع رائع شعره من خلال قراءة سريعة في ديوانه - ليست الاولى بالطبع- فقد قدم الشاعر راشد بن جعيثن للديوان بمقدمة فيها سبر مختصر لاتجاهات ابن هتيل , ونحن وان كنا نوافق ابن جعيثن على أن ابن هتيل كان جزل العبارة ولمفرداته زخم مميز الا اننا لانوافقه ان ابن هتيل كان مثالاً لشعراء البلاط في عصره , شعراء البلاط لهم مواصفات تجعل من الشعر مهنة لهم وتقرّب الشعر لديهم للصناعة اكثر منه للعاطفة الطبيعية المتدفقة, فقرب ابن هتيل من البلاط بحكم عمله بالأضافة لعاطفته المتدفقة بالحب لقادة البلاد هيأ له ظروف الابداع في شعر المدح الممزوج بالشجن لكن بشكل عام لايمكن ان نطلق عليه أنه شاعر البلاط بمفهوم هذا التعبير المتوارث وذلك متضح من خلال نبرات قصائده ومدائحه. استعراض أمثلة من شعر ابن هتيل تغني عن الكثير من الشرح والتعليق ويمكن للقارئ ان يستشف منها منهج هذا الشاعر وتقدم انتاجه الشعري ونباهة معانيه وجزالتها. يقول ابن هتيل في ابيات رائعة سارية ومتناقلة بما يشبه التنويه بنفسه بطريقة مختلفة ومقارنة نابهة: ==1== مانيب أميرٍ مير طيّب جماعة==0== ==0==سيفٍ لربعي فالمواجيب مسلول لاقدّموني لابتي صرف ساعه==0== ==0==قدّمتهم مقدار خمسة عشر حَول==2== المدح مذهب سائد في شعر ابن هتيل ومدائحه كثيرة. قال يمدح الملك عبدالعزيز رحمه الله في ابيات جميلة منها:==1== حُرٍ على الوكر الرفيع متساوي==0== ==0==تخضع تحت وكره حرارٍ لها كار لا الوى بجولٍ ما بقاله شلاوي==0== ==0==في تابعه لمنمّر اللون شنكار==2== نادرا ما يجتمع المدح مع الوفاء والاعجاب والهاجس الخالي من التكلف لكن ابن هتيل كان ينظر لمحمد الاحمد السديري بنظرة مدائحية مختلفه ربما لكون مميزات وأيضا شاعرية السديري لها مكان من روح ابن هتيل وهو الخبير بالشعر. يقول مادحا السديري:==1== لا يابعد خطر الشيوخ التقاليد==0== ==0==اللي ذهَبهم للفنا خازنينه حفاظة الدينار شيّالة الكيد==0== ==0==العذر من دون العطا محتسينه==2== ومنها يقول بعاطفة صادقة:==1== ما ذعذع الغربي على جندل البيد==0== ==0==يومٍ وانا ماقلت : ابوزيد وينه ؟==2== ومن تفريعات المدح لدى ابن هتيل ما كان مشوباً ببعض الاخوانيات كما يطلق عليها الأدباء وهي القصائد بين الاخوان والندماء وقد اتشحت بوشاح المدح لدى ابن هتيل. واوضح مثال لهذا المذهب قصيدته المشهورة المسندة لنديمه راشد بن عويضه بن رسام يقول منها:==1== هيف السمين اللي شحمها له اكمام==0== ==0==راشد عشير الغانمين ونديمي تلقاه يذعر شبّة الصبح ما نام==0== ==0==والاّ بعد تلقا لنجره زجيمي==2== الى أن يقول:==1== حنا اخوانٍ بالضماير ..والاجسام ==0== ==0==شتى ..ولكن ودنا مستقيمي الروح واحد والتفرق بالاقدام==0== ==0==خوّة مناعيرٍ بعرفٍ جسيمي==2== أبدع ابن هتيل في الوصف وهو غرض انتشر في ثنايا مدائحه وغزلياته .. يقول في أحد وصفياته خاصة صورة "طايح ٍ تحتها ذيب": ==1== اليا مشت لا كن فيها عذاريب==0== ==0==هزعا الفقار اللي تساند متونه ماكنها الا طايح ٍ تحتها ذيب==0== ==0==لاشافها الشوباش تطرب عيونه==2== أما الحكم والتجارب فله منهما نصيب وربما كان لعمره المديد وتجربته الزاخرة المتغيرة في الحياه أثر في ذلك يقول: ==1== تكفون حاذور من سيرات الأعمالي==0== ==0==ترى الفتى سيرته من جوهر أعماله لاتحسبون الفخر في جمع الأموالي==0== ==0==كم واحدٍ عوقه المسموم من ماله الجوهرالغالي اللي مكسبه غالي==0== ==0==كسب الثنا اليوم ما كلٍ بيحتاله الطيّبه سنها الأول على التالي==0== ==0==ومن جنّب الطِيب وأهل الطيب عزاله==2== ويقول :==1== لاتبدي الشكوى على كل عثبار==0== ==0==لامن بليت اب حَرّ كثر الشكايا واليا نويت بتبدي السر فاختار==0== ==0==دوّر لسدّك طيبين العنايا==2== ابن هتيل كتب في الغزل بشكل عام وهو إما أن يكون عرضياً في قصائد المدح أو المراسلات أو أن يكون مرتقا الى هدف آخر. كما انه قد ورد في ديوانه أبيات غزلية بحته مجتزأة يبدو انها عرضية لكن لفقدان باقي أبيات المقطوعة وورودها مفصولة عن غيرها لايمكن الجزم بأن ابن هتيل قد كتب القصائد الغزلية المنصبة على الغزل فقط. يقول:==1== العين عين موحّشٍ ربّة الغار==0== ==0==سودٍ تقل فيها جموع وسرايا والراس ذيل مشمّرٍ حشّمت كار==0== ==0==والخد برّاقٍ سرت له رفايا بالهرج مكار ٍ وبالعين سحّار==0== ==0==يرمي على راع الهوى بالمنايا==2== ويقول:==1== على اللي نبيه من الحجاجير ومعييّن==0== ==0==تعسّر وهو ماهوب منهو ب ينحافي عطاني عطية والعطية إلي ذالحين==0== ==0==عطية بخيل ٍ ضاري ٍ بالتعجافي==2== ويقول :==1== لو ما ب صدره مثل بيض الربيبي==0== ==0==قلت النحر قرطاسةٍ بيد كتّاب يضفي عليه من العبيّة سبيبي==0== ==0==شقرا تلوج عنانها عند نصّاب==2== من مجالا ت الشعر لدى ابن هتيل شعر القنص ويبدو منها أنه مقل في هذا الجانب لأنه ربما لم يكن متفرغاً لمزاولة هذه الهواية .. لكنه أبدع حيث يقول: ==1== ياعل طيرٍ ما يصيد الحباري==0== ==0==يامر عليه الله ليا هِدّ بعقاب بيض الدغور مشمرخات الأ ثاري==0== ==0==يازينهن من خفقة الطير هرّاب يهيا لهن حُرٍ كفوفه عجاري==0== ==0==ما حاش منهن مات من غير مخلاب==2== اخر المناحي التي نحاها ابن هتيل في شعره هو ما يمكن أن يطلق عليه حديث مع النفس الطامحة والمفعمة بقوة الشكيمة والجلد. حديث الشاعر- أي شاعر- لنفسه لايخلو من ان يكون سبراً لطيب معدنها وحثاً لها للاستزادة من مناهج الطيب والبعد عن دروب الخنوع. ابن هتيل لم يكن بعيداً عن ذلك كله فهو يقول مخاطباً صاحباً له: ==1== نمرّ الحبيب اللي عطاك الكلام ضيوف==0== ==0==يبين الجفا ولا يبين الغلا كلّه علي الثمن لاقالوا المشترى بألوف==0== ==0==وعليك الجزع لابان منه الجفا خلّه==2== يقول أيضا: ==1== ان قيل ويش اللي يسبب مشيبك==0== ==0==قلت الله .. الله .. من كثير التجاريب من شوفتك يا الرجل ناس ٍ تعيبك==0== ==0==وعرفك يحيط ابءهم وهم مركز الطيب ان طبت يجهلهم مناهيج طيبك==0== ==0==وعابوا عليك اخرى وهم مركز العيب==2== ويتحدث ابن هتيل عن فلسفة خاصه به هنا: ==1== أنا حالف ٍ ما اجوز من جَرّة الطاروق==0== ==0==ولا أخلي المشراف ما دمت بحتاله ولا اشقا معَ الشاقي ولا اخاوي المطفوق==0== ==0==ولا أجر حبل ٍ ما بعد قست محّاله==2== وأيضا يقول على منوال هذه الفلسفة: ==1== يا ما غدا منّا ويا ما عطينا==0== ==0==ويا كثر ما حاشت يدينا من الخير نجود من جودات ربك علينا==0== ==0==ونصبر ليا كثرت علينا المخاسير==2== رحم الله الشاعر سعد ابن هتيل فقد كان شاعراً مجيداً رائعاً .. ضم ديوانه العديد من القصائد والمقتطفات الفائقة الجودة و من المؤكد أن يسعد بها من يبحر عبر لججها الزاخرة بالجزالة والاصالة. ديوان بن هتيل