في آب/ أغسطس 2000، في الفترة الممتدة بين فشل مؤتمر كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة، أعلن رئيس الحكومة في حينه، إيهود براك، تفاصيل الثورة المدنية، قائلاً إنه سيتم تسيير المواصلات العامة وإعادة تفعيل شركة الطيران (إل -عال)، في أيام السبت، كما سيتم شطب تسجيل بند القومية في بطاقة الهوية، وستتخذ إجراءات أخرى من شأنها تغيير وجه إسرائيل. وقد استصعب الجمهور آنذاك، الشعور بتأثر بالغ لسماع تلك البشرى الثورية، لأنه كان من الواضح له أن كل ذلك يأتي في إطار صراع براك من أجل البقاء، ذلك البقاء الذي لم يدم طويلاً. بشكل ما، أصبحت المقترحات بعيدة المدى، المتعلقة بقضايا مدنية، تطل في إسرائيل، بشكل خاص، في الفترات التي نشهد فيها أزمات سياسية. فهذه هي الفترة التي يمد فيها السياسي غير المستقر، يده إلى قاع جعبته، لامتشاق برنامجه الانتخابي المنكمش، الذي نسيه هناك طالما كان كرسيه مستقراً، ثم يقصفنا - على الورق، على الأقل - بتغييرات بعيدة المدى. ولا مفر من رؤية الخطوة الجديدة التي أقدم عليها وزير القضاء، من المنظور نفسه. ونقصد قيامه، يوم الأحد، بإطلاع الحكومة على مشروع قانون (معاهدة الزواج)، التي تهدف إلى مأسسة الزواج المدني في إسرائيل. والسؤال المطروح هو ليس لماذا يدفع وزير العدل لبيد باتجاه عرض مشروع قانونه علانية في هذه الفترة، فبالنسبة لحركة (شينوي) من المناسب القيام كل يوم بمحاولة لتغيير الوضع القائم، فكم بالحري عندما يتم تحييدها سياسياً. السؤال الحقيقي المطروح هو لماذا يتعاون رئيس الحكومة، أريئيل شارون، مع لبيد. والجواب واضح: فهذه هي فترة مفاوضات ائتلافية، والحكومة لا تتفق مع ما يريده شارون، والأحزاب الدينية لا تسارع في الانضمام إلى الحكومة بانحناء مع حزب (العمل)، ومن المؤكد أنها لن تفعل ذلك مع (شينوي). وهذا هو الوقت المناسب لامتشاق سلاح يوم القيامة. وإذا لم ينفع ذلك لاقتياد واضعي القلنسوات (المتدينين)، فمن المؤكد أنه لن يضر إذا جرت الانتخابات. يمكن دائماً التذكير بأننا حاولنا. يصعب الاشتباه بشارون الذي يكثر من التبديل بين الاسرائيلي واليهودي (يصعب جداً أن تكون يهودياً، قال لوالد الطفل المرحوم أفيك أوحايون، الذي قتل جراء اصابته بصاروخ قسام أطلق على سديروت)، لأن الزواج المدني بالذات، هو ما يهمه. ويصعب، أيضاً، الاشتباه بأنه كرس قسطاً ملموساً من التفكير لهذه القضية المعقدة. فلكي يلم بهذه المسألة وبالمعاني الحقيقية للقانون المقترح يجب التعمق في الموضوع، سيما أن الكثير من الاسرائيليين يختارون، اليوم، تحديد معاهدة زواجهم بعيداً عن أعين الحاخامية، من خلال اتفاقيات قانونية أو مراسم زواج علمانية. أشك بأن شارون فحص الأرقام وفهم حجم المشكلة. ففي حالته، وخلافاً لبراك، يصعب التفكير، أيضاً، بأن هذه القضية تمثل مصلحة مشتركة وواضحة بالنسبة للكثيرين من ناخبيه. وكما هو الحال في الثورة المدنية لبراك، توضح (الثورة) الحالية، امتناع القيادة، بشكل مطلق، عن الانشغال بقضايا ذات صلة بتعاريف حياتنا، وعن بدء النقاش العام، الحيوي والمعمق حول جوهر المواطنة الاسرائيلية. رئيس الحكومة يعتبر منصبه يتوقف على قضايا الخارجية والأمن، ويعتبر نفسه قائداً من أجل الانفصال، الاتفاق أو الحرب، فقط. أما بقية القضايا التي لا تقل أهمية بالنسبة لحياتنا، والتي تم اهمالها منذ أيام بن غوريون، فتنتظر مؤتمر سيلفان شالوم أو التأتأة الأخيرة في المفاوضات مع (شاس). عن ميدل ايست اونلاين