يعتبر العمل الخيري من أهم دلالات النجاح في أي مجتمع متحرك وينشد التطور والرقي، ودوما يوضع العمل الخيري في رأس الأولويات في أي خطط قد يتم طرحها والبدء في تنفيذها، ذلك أن المؤسسات الخيرية على مختلف تخصصاتها سواء صحية أو تعليمية أو دعوية أو إغاثية تقوم بدور هام ونشط في مساعدة المؤسسات الرسمية بل ومختلف مؤسسات المجتمع في تقديم خدمات حيوية وهامة لشريحة من هذا المجتمع والتي قد يتعذر الوصول لها لأي سبب من الأسباب. لدينا في المملكة ضبابية كبيرة في عمل المؤسسات الخيرية تبدأ من التأسيس مرورا مراحل عملها المختلفة، بل حتى توزيع مهام وأعمال الجمعيات الخيرية الحالية نجد معظمها أو كما يقال السواد الأعظم، وأقصد نوع العمل الخيري نفسه، حيث نلاحظ عدم وجود تنوع في تقديم العمل الخيري، فدوما يتم التركيز على جانب واحد أو جانبين وهو العمل الإغاثي أو العمل الدعوي، وفي هذا السياق نلاحظ غيابا تاما أو شبه كامل للجمعيات الخيرية ذات التوجه النفعي العام التي لها خدمات تعليمية أو صحية أو تثقيفية أو غيرها، غيابها عن الساحة ملاحظ وبات اليوم أكثر وضوحا. مع التأكيد على أهمية العمل الخيري الاغاثي، وأقصد به تقديم التبرعات المالية أو الملبوسات للأسر الفقيرة والمحتاجة، إلا أن هذا الأسلوب في مساعدة الآخرين اتضح اليوم أكثر من أي يوم مضى أنه ليس السبيل الصحيح لمساعدة الضعفاء والفقراء، ولعلي أوجز الفكرة بما روي عن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عندما جاءه فقير يسأله المساعدة، «فقال له:أما لك مال؟ قال: لا، فأعاد عليه السؤال مؤكدا فقال: عندي حلس -أي سجادة- نجلس على بعضه ونتغطى ببعضه، وقدح نشرب به. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ائتني بهما، فجاء بهما فعرضهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على من كان عنده قائلا: من يشتري مني هذين؟ إلى أن باعهما بدرهمين، فأعطاه إياهما وقال اشتر بأحدهما طعاما لعيالك واشتر بالآخر فأسا وأمره بأن يعود إليه فعاد إليه فوضع له خشبة في الفأس وقال له اذهب واحتطب ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب ثم عاد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد خمسة عشر يوما ومعه دراهم، فقال: يا رسول الله بارك الله في ما أمرتني به». والذي أقصده أن على الجمعيات الخيرية مساعدة الفقراء والضعفاء؛ ليتغلبوا على مشاكلهم بالعمل والإنتاج، وليس بإطعامهم وتعويدهم على الاتكالية وانتظار الصدقة، فهذا الأسلوب خاطئ تماما، أو كما يقول المثل الصيني «لا تعطني سمكة وإنما علمني كيف اصطاد السمك» ومن هنا ادلف لأهمية وجود جمعيات خيرية تعليمية وأخرى تدريبية تأخذ على عاتقها تقديم برامج وتوظيف المحتاجين وتنسق عملها مع وزارة العمل والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، بل وتتواصل مع مراكز ومعاهد التدريب الأهلية التي تدار من القطاع الخاص لوضع مقاعد مجانية لهذه الجمعيات. الذي أتطلع له فعلا أن تكون هناك نقلة نوعية في عمل الجمعيات الخيرية في المملكة تبدأ من التشريعات والتنظيمات المنظمة لإشهارها مرورا بتوجهها وكيف عملها في المجتمع، وأن تكون هناك مظلة كهيئة متخصصة من مهامها الأساسية مراقبة أداء وعمل جميع الجمعيات الخيرية.